عقول اسفنجية ممتلئة بالثقوب
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
مشكلتنا في العالم العربي والإسلامي اننا نواجه صعوبات كبيرة وكثيرة في رحلة البحث عن الحقيقة، فكلما توغلنا في مساراتها وتعمقنا في تفاصيلها تحذفنا أمواج الخلافات القديمة لترمينا على شواطئ المرافئ البعيدة التي انطلقنا منها أول مرة في رحلتنا الشاقة. ذلك لاننا نحمل عقولاً أسفنجية ممتلئة بالثقوب والتجاويف، فالمتاهات المعقدة المحفورة في أدمغتنا تشبه ثقوب الأجبان السويسرية الطرية. ولدينا في كل ثقب رواسب لبيانات خاطئة مخزونة منذ قرون، حتى بات من الصعب إصلاحها ومعالجتها بادوات التثقيف والتوعية بعدما تحجرت واكتسبت درجة الصلابة والعناد. .
اغلب الظن ان القوى المعادية لنا، أو المتربصة بنا، وجدت ضالتها في هذه الفجوات الطائفية والعشائرية والعرقية، وتحولت على يدها إلى أسلحة فتاكة مزقت بها وحدتنا. حتى أضحى من الصعب الاتفاق على مواقف ثابتة حيال الظروف الدموية البشعة التي تواجهها غزة منذ أربعة اشهر. .
فالرؤية التي يراها المواطن الخليجي تختلف تماما عن رؤية المواطن اليماني أو العراقي. قد يتفقون على الخطوط العامة لكنهم يتنافرون في التفسير والتحليل وفي النتائج، فالمشهد الذي تنقله قنوات الجزيرة والميادين يختلف تماماً عن المشهد الذي تنقله قنوات العربية ومشتقاتها المصرية. .
وقد ظهرت الخلافات في الرأي واضحة جلية حتى بين ابناء القرى النائية، وبين أفراد الأسرة الواحدة، وفي المقاهي التي يرتادها كبار الأدباء والمثقفين. لكنها أشد تطرفاً وضراوة على منصات التواصل. اما لماذا تشوشت الصورة اكثر من اي وقت مضى ذلك لأن مضخات التضليل والتدليس والتحريض اشتغلت باقصى طاقاتها، وفتحت كل الثقوب والتجاويف التي كانت محبوسة بين تلافيف أدمغتنا الأسفنجية. وهي بطبيعة الحال مهيئة لكل المؤثرات الخارجية. .
قالوا: الاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية، لكنه هذه الايام يفسد الود ويفسد القضية، ويحجب الصورة الحقيقية، بل صار نافذة للخلافات والخصومات. .
قبل بضعة ايام تطوع احد المضللين العرب (صابر مشهور) لنشر حلقة مصورة على اليوتيوب، شاهدها حتى الآن 82 ألفا. يلهي فيها الناس عن أحداث غزة، ويحرض الجماهير الكروية في الأردن ضد جماهير العراق معتمداً على وقائع مباريات كرة القدم. ومرتكزا على أسم حامي المرمى الأردني (يزيد ابو ليلى)، مبينا كيف ان العراقيين يكرهون شخصية (يزيد) منذ العصر الأموي الاول. كان هذا مثالاً حياً لنوعية الثقوب الإسفنجية المحفورة في الذاكرة العربية، والتي تحولت بيد المحرضين إلى محطات للنيل من الامة، وتفتيت عضدها. .
أنا شخصيا اخجل من نفسي عندما ارى سقوط بعض الإعلاميين في الدرك الاسفل من الإسفاف والابتذال، ولا ادري كيف يتجاهلون الكوارث المأساوية التي يواجهها اهلنا في غزة، ليشغلوا الناس بأمور تافهة لا ينبغي التحدث بها ؟. .