الحسين وجيفارا يقاتلان في غزة
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
لم يمضِ الإمام الحسين في طريق الشهادة كرهاً بالحياة، إنما مضى اليها حباً بالعدل والحرية والكرامة والمساواة وإحقاق الحق.. لذلك رفض جميع المساومات والإغراءات التي عرضها عليه والي العراق عبيد الله بن زياد لكي يبايع الظالم يزيد بن معاوية.. فحمل سيفه وقاتل الظالمين حتى نال الشهادة ..
وكذلك فعل الثائر الشيوعي جيفارا، حيث حمل بندقيته ومضى في طريق الثورة الأممية، تاركاً كل ملذات الحياة من أجل تحقيق العدل والحرية والمساواة ونصرة الفقراء والمحرومين.. وحين انتصرت الثورة الكوبية، تسلم جيفارا منصب الوزير الأول في الحكومة الكوبية الجديدة، لكن جيفارا قدم استقالته مكتوبةً إلى الرئيس كاسترو ، قائلاً: ” رفيقي العزيز .. لم أحمل بندقيتي كي اكون وزيراً او رئيساً، إنما حملتها من أجل العدل والحرية ونصرة الفقراء والمحرومين “.. فحمل بندقيته مرةً أخرى ومضى يقاتل الطغاة حتى استشهد بشرف وكبرياء..
واليوم حيث يتصدى أنصار الحق والعدل والحرية والمساواة لعصابات الصهاينة في غزة وجنوب لبنان ، فأنا واثق تماماً من أن إمام الحق والإباء والعدالة أبا عبد الله الحسين، وقائد ثورة الفقراء جيفارا، يقاتلان جنباً إلى جنب مع كل الأحرار الذين يتصدون اليوم في ساحات الشرف بغزة وبقية ( الساحات) المقاومة لكيان الصهاينة.
وهنا قد يظن أو ربما يختلف معي أحد القرّاء حول توافق هدف الإمام الحسين وجيشه ومحوره الرسالي، مع رؤى جيفارا الشيوعي الأممي.. أو يستغرب من توافق والتقاء مصالح قوى وحركات وأحزاب إسلامية مع قوى وعناصر شيوعية تختلف مع الإسلاميين من الألف إلى الياء .. وقبل أن أُعلق على هذا الظن، أودّ أن أشير إلى حقيقة تاريخية، يتجاهلها الكثير من الإعلاميين والمحللين السياسيين والعسكريين والمتابعين أيضاً، وهذه الحقيقة تتمثل باصطفاف الشيوعيين واليساريين مع (الإسلاميين) مرات عدة.. وقد تجلى هذا الاصطفاف في مواقف وساحات وميادين بعضها كان سياسياً واعلامياً تضامنياً، وبعضها كان قتالياً، امتزج فيها دم المجاهدين الإسلاميين مع دم المناضلين الشيوعيين..
وكي لا أتشعب وأتفرع في الموضوع، سأتحدث فقط عن وحدة جبهة المقاومة للكيان الصهيوني والتضامن بل والتعاون الذي أخذ شكل (الجبهة) الموحدة في عدة ساحات، ولعل الساحة الفلسطينية التي خاض فيها الإسلاميون والشيوعيون وبقية الألوان السياسية العربية معارك مجيدة، تصدوا فيها بارواحهم لعدوانية الكيان الصهيوني، سواء بمشاركتهم في العمليات الفدائية البطولية التي جرت عام 1949 ، أو ما بعدها، ضد العصابات الصهيونية وقبلها المحتل البريطاني، وقد جاء في كتاب “الإخوان المسلمون الفلسطينيون.. التنظيم الفلسطيني- قطاع غزة 1949-1967”، الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، لمؤلفه البروفسور محسن صالح، الكثير من أمثلة العمل الفدائي المشترك على الحدود المصرية الفلسطينية بين الفدائيين الشيوعيين المصريين، و( الإخوان ) الفلسطينيين..
أما عن شراكة عمليات المقاومة الباسلة التي جرت بعد هزيمة الخامس من حزيران، في الساحة الأردنية والفلسطينية و اللبنانية فحدث عن ذلك بلا حرج.. وطبعاً فأنا لن اتحدث هنا عن (شيوعية) الآلاف من الفدائيين الذين انضموا إلى صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أو إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الماركسيتين، انما اتحدث عن الشيوعيين بعنوانهم الصريح، خصوصاً الحزب الشيوعي اللبناني ودوره في جبهات المقاومة التي تشكلت في لبنان وتصدت للاحتلال الصهيوني.. مثل
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) التي شكلها الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي في لبنان والحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب التقدمي الاشتراكي لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بعد غزو لبنان سنة 1982، حيث أعلنت الجبهة انطلاقتها في 16 سبتمبر 1982 عبر بيان تأسيسي أمضاه القائد الشيوعي الشهيد جورج حاوي ومحسن إبراهيم. وقد قامت الجبهة بعدة عمليات ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي العميل، إذ قدم الحزب الشيوعي اللبناني عبر هذه الجبهة المقاومة عدداً كبيراً من الشهداء، من بينهم (12) شهيداً شيوعياً سقطوا في عدوان تموز الأخير فقط.
أما أول شهيد لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية فقد كان المقاتل الشيوعي مهدي مكاوي، الذي سقط على محور الشويفات خلال كمين نصبه ورفاقه، للقوات الإسرائيلية المنسحبة من بيروت والمتمركزة في المطار.. وكان أمين عام الحزب الشيوعي جورج حاوي آخر الشهداء ..
واليوم، يقف الشيوعيون في لبنان وسوريا والعراق وفلسطين وتونس ومصر والجزائر وكل دول العالم في خندق المقاومة ضد الاحتلال، ويشتركون مع أخوتهم في القوى الإسلامية في ميدان التصدي لهذا الكيان المغتصب في غزة ولبنان.. وطبعاً فإن وسائل التعبير عن هذه المشاركة تختلف بين بلد وآخر، فالحزب الشيوعي اللبناني مثلاً قام بتحشيد ثلاثة عشر حزباً يسارياً، التقوا قبل أيام في اجتماع كبير، أصدروا بياناً ألقاه الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب، جاء فيه: «يكتسب اجتماعنا أهميته القصوى في الإجابة على السؤال الكبير: ما العمل؟ وكيف نتحرك؟»، لافتاً إلى أن «تصعيد حملة الدعم والتضامن لفرض وقف إطلاق النار الدائم وتلبية مطالب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، ووقف العدوان على لبنان وجنوبه، خطوة مطلوبة وملحّة، لكنها تحتاج إلى مسار سياسي تتكامل فيه وتتوحّد أدوار أحزابنا الشيوعية ومسؤولياتها لتصب في إطاره وتوظف فيه كل أشكال الدعم والتضامن مع قوى الممانعة الأخرى».
وأكّد أن الحزب الشيوعي «سيكون مدافعاً عن أرضه ووطنه وشعبه ضد أي تصعيد عدواني مهما كان الثمن غالياً»، داعياً إلى «العمل معاً لتعديل ميزان القوى»، لافتاً إلى أنه «مع تصاعد العدوان، تحتاج (الحملة) إلى مسار سياسي تتكامل فيه أدوار أحزابنا الشيوعية ومسؤولياتها لتصبّ في إطاره وتوظف فيه كل أشكال الدعم والتضامن».
أما في العراق، فقد رأينا وتابعنا الأنشطة المميزة التي قام بها الشيوعيون العراقيون تأييداً لغزة، ولم يمر يوم دون أن تكون للحزب الشيوعي العراقي فعالية مهمة داعمة لصمود غزة، ولبنان واليمن وسوريا ..
وقبل ان أنهي مقالي أود أن اؤكد على أن الدم الشيوعي الذي سال منذ عشرات السنين في ساحات التصدي للطغاة والمحتلين والصهاينة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وفي دول وأراضٍ أخرى، وامتزج مع الدم (الإسلامي) في نفس تلك الساحات، مازال هذا الدم يسيل معاً في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وفي كل خطوط المواجهة مع الصهاينة، وهو يعلن بوضوح تام عن أن (وحدة الساحات) ليست محصورة بساحات ذات لون إسلامي فقط، إنما هي مفتوحة على عدة الوان واتجاهات وأطياف، بعضها شيوعية وبعضها قومية، وبعضها ليست مسلمة أصلاً، وإلا ماذا تعني التظاهرات الفخمة المؤيدة لشعب غزة التي تخرج كل يوم في ولايات امريكا ومدن بريطانيا وشوارع فرنسا، بل إن اليسار ( الإسرائيلي) يخرج مؤيداً لحقوق الشعب الفلسطيني ويتظاهر في شوارع (تل أبيب) ذاتها ؟!