شلالات هادرة بالمال العام
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
تتعرض معظم الأنظمة السياسية من وقت لآخر لعدوى الإصابة بالرمد الصديدي. فتصيب البقة وتخطئ البعير، وترى الأرنب ولا ترى الفيل. وتعمل احيانا بتحريض من بعض الجهات المغرضة، فتسدد بنادقها نحو المواقع المستهدفة، أو التي تريد استهدافها بتهمة الهدر بالمال العام، لكنها لا ترى الشلالات الهادرة بأموالنا، ومنها على سبيل المثال الشلال الذي تمخض عن قرار مجلس الوزراء (في زمن الكاظمي) باعفاء المنتجات الأردنية (الصناعية والزراعية) من الرسوم الجمركية والرسوم الضريبية، ففتح هذا الشلال بوابات معبر طريبيل لتتدفق منه المنتجات الأردنية إلى الأسواق العراقية، في انتهاك صارخ لقانون حماية المنتج الوطني. وحتى لو كانت المنتجات القادمة من بلدان أخرى، فكل المطلوب من الأردن دمغها وختمها بعبارة (صنع في الأردن). .
لقد تغاضت الدولة تماماً عن هذ الشلال. لكنها ظلت تطالب محافظة البصرة بدفع بدلات الأيجار إلى وزارة النقل مقابل بقاءها في بناية تعود لتلك الوزارة، وظلت تطالب بسحب المال من رصيد تلك المحافظة العراقية وإيداعه في حساب الوزارة العراقية، أي من العراق إلى العراق. وهذا يعني نقل المال العراقي من الجيب الأيمن ووضعه في الجيب العراقي الأيسر في الجاكيت نفسه، وفي البدلة الحكومية. .
اللافت للنظر ان الدولة نفسها ليست لديها رؤية مستقبلية ثاقبة حول حجم الهدر الهائل بالمال العام بعد استكمال اجراءات ترحيل نفط البصرة إلى ميناء العقبة، ومنه إلى ميناء (عين السخنة) في مصر. .
وسوف تتحمل الدولة تكاليف إنشاء الانابيب والمصافي، وانشاء وتشغيل محطات تصعيد الضخ التي سوف تشفط آخر قطرة من نفطنا لكي تمتلئ بها صهاريج الجارة المدللة التي ما انفكت تتحين الفرص للتآمر علينا. .
الطامة الكبرى ان جماهير البصرة خرجوا في مظاهرات عارمة لمطالبة إدارتهم المحلية بتسديد بدلات الإيجار إلى خزينة العراق. لكنهم لم يتظاهروا ضد مشاريع ترحيل نفطهم نحو البلدان البعيدة، ولم يعترضوا على المشاريع الكويتية والسعودية التي تعمدت سحب النفط من خطوط التماس الحدودية على امتداد الخط الواصل بين صفوان وجبل سنام، والى خرانج، وخضر الماي، والرچي، وخريزات، فهذا في نظرهم لا يعد هدرا في ثروات العراق ولا يمس سيادتنا، ولم يعترضوا على حرماننا من التنقيب على النفط في سواحلنا ومياهنا الاقليمية. ولا يريدون إرهاق انفسهم في معالجة النزف الحاد في أوردة وشرايين المال العام. .
ولله في خلقه شؤون. . .