بقلم : سعد الأوسي ..
منذ انتخاب الرئيس محمود المشهداني لرئاسة مجلس النواب والاسئلة والاتصالات تنهال عليّ من سائلين و مندهشين و حزانى وفرحين سياسيين واعلاميين اصدقاء واعداء، عن سر فوز المشهداني (غير المتوقع) على حدّ زعمهم، رغم انني كنت واثقاً من حتمية فوزه لأسباب ثلاثة ادرجها معكوسة حسب اهميتها:
1- وسطية الرجل واعتداله و واقعيته السياسية.
2- حياديته القومية والطائفية والدينية و هو شرط واجب في تسنم اي منصب رئاسي في الدولة للحفاظ على بنيتها ووحدة لحمتها الاثنية والاعتقادية.
3- خبرته السابقة في ادارة البرلمان رغم ما شابها من تعثرات ومشاكل وصراعات.
4- رهان السيد نوري المالكي الذي يعدّ اكبر زعامة سياسية في البلد على ضرورة اختيار المشهداني لتسنم المنصب في هذه المرحلة الدقيقة المثقلة بالصراعات والتجاذبات الحادة -الخفية والمعلنة- والتي تنذر بدكتاتورية كامنة تهيئ نفسها واسبابها وتنتظر كامنةً متحينةً للحظة تمكين مناسبة للوثوب على العملية السياسية كلها واستعادة سلطة (أنا) متفردة متضخمة مريضة تعيد العراق الى كابوس الهيمنة الفردية والعائلية المطلقة، وتجميد سلطة الدستور والقانون.
لقد ظلّ منصب رئاسة البرلمان شاغرا لمدة عام كامل منذ اقالت المحكمة الاتحادية العليا السيد محمد الحلبوسي ، وتكليف نائبه السيد محسن المندلاوي بمهام الرئاسة لتسيير الاعمال، وظلت اهواء الكتل السياسية و رياحها العاصفة تتلاطم متصارعة للفوز بهذا المنصب بالغ الاهمية والحساسية مهما فدح ثمنه.
وتدخلت الارادات الدولية كالعادة بشكل سافر لتقول كلمتها وتضع رغبتها كما تعودت منذ 20 عاما حتى الان.
وحده الزعيم المالكي في هذا الخضم كان يصرّ على خيار عراقي محض يجمع ولا يفرّق يحلّ ولا يعقّد يملي ولا يملى عليه، و قد قال لي في اكثر من لقاء خاص جمعني واياه : ان اختياره للسيد محمود المشهداني واصراره عليه ليس صراع ارادات ولا تنافساً سياسياً ولا استعراض قوة ولا هدف مصالح كما يحاول البعض ان يتوهمه بالتأكيد، ولو كان احدى هذه الاسباب -منفردة او مجتمعة- لكان هنالك اكثر من خيار و بديل يفي بذات الغرض، الا اننا نرى و نؤمن ان المصلحة الوطنية اليوم تقتضي وجود محمود المشهداني في هذا المنصب لانه الاصلح والانسب والاكثر اهليّةً للتعامل مع الوضع السياسي الراهن، وسوف يرى العراقيون جميعا مدى حكمة وصواب هذا الخيار في الاشهر القليلة التالية، لتدوير الدواليب الموقوفة او المُعرقلة عمداً وتحريك القوانين المجمدة منذ سنوات في ادراج رئاسة البرلمان خدمةً لاجندات سياسية خاصة و مصالح متقاطعة وربما امتثالا لبعض الاملاءات الخارجية .
سيحتج المغرضون و مدّعو الاستحقاق الطائفي بأنّ هذا المنصب من حصّة المكون السني و كتله السياسية، وهم الوحيدون المعنيون بهذا الشأن والاختيار تحت عنوان المحاصصة وتقاسم السلطة الذي يوجب ان لاتكون للمكون الشيعي او للسيد نوري المالكي زعيم الاطار التنسيقي يدٌ او رأي او ارادة في هذا الخيار !!!!
و الحقيقة ان هذا النوع من الخطاب المُدلّس الذي يخفي وراءه الكثير من النوايا الشيطانية والاطماع والمصالح المريضة، يجب ان ينتهي و يلقى في اقرب حاوية نفايات سياسية، لان اصحابه والداعين اليه يريدون بهذا الباطل المستتر بقناع الحق او الاستحقاق ان يطيلوا امد الفوضى وحالة العقم والانسداد السياسي الى اطول فترة يستطيعون، لانها تكفل بقاءهم في مواقع التأثير والسلطة وتديم زخم قدرتهم على العبث والتلاعب والسرقة والابتزاز، و تحميهم من المساءلة والحساب والعقاب.
ان اي جهد و رغبة او ارادة وطنية مخلصة تسعى الى وضع تلك الاستحقاقات في اطارها الوطني المحض بلا خضوع للتأثير الدولي والاقليمي لا بدّ ان تجبه وتواجه وتمنع بالصراخ السياسي والاعلامي تارة و بالتباكي والاستجداء على اعتاب اجهزة المخابرات الدولية من اجل (حقوق المكون المهدورة) تارة اخرى ، وهي بلا ادنى شك ليست سوى حقوق عصبة من الفاسدين والفاشلين والعملاء الذين تسللوا للعملية السياسية بلا تواريخ ولا جذور ولا كفاءات و لا مؤهلات كأنهم اولاد حرام.
لقد راهنت و ما ازال بايمان راسخ على دقّة خيارات الزعيم المالكي و نهجه ورؤاه الاستراتيجية الدقيقة المستندة الى تجربة وخبرة سياسية طالما اثبتت صوابها في الازمات والمنعطفات السياسية الصعبة، و فرادتها وجرأتها في المعالجة، و صلابتها او مرونتها الحكيمة حسب المقتضيات والمصالح الوطنية، مما أهّله لتسنّم الزعامة السياسية لعقدين صاخبين من الزمن تقريباً.
قال لي في آخر لقاء جمعني به قبل ايام: ان الرئيس محمود المشهداني لم يكن خيارا شخصيا قائماً على هوى شخصي او تحقيقا لغاية مطلوبة منه كما يحاول البعض الايحاء او التصريح والترويج لذلك، فليس عند المالكي من طموحات يستطيع المشهداني تحقيقها، ولو كانت موجودة كما يدعون على سبيل الافتراض الجدلي فحسب، فان المالكي بثقله الوطني و حجم كتلته البرلمانية و قاعدته الشعبية الكبيرة قادرٌ على تنفيذها سواء كان السيد المشهداني على رأس البرلمان او اي أحد آخر سواه، و لو عرف العراقيون ما عندي من معلومات دقيقة موثّقة عن حجم التدخل الدولي خاصةً قطر و تركيا، والمال السياسي المبذول لفرض المرشح الآخر على رئاسة البرلمان، لادركوا سبب اصراري على تسنم السيد المشهداني لهذا المنصب الحساس، ليس باعتباره استحقاقاً سنيّاً طائفياً بل ضرورة واستحقاق وطني مؤثر يوجب علينا جميعا مسؤولية حمايته من التدخلات والارادات والاجندات الخارجية. لقد دفع العراق ثمنا باهضاً بسبب فكرة التحاصص على الاسس الاثنية او الطائفية المجردة فحسب، لانها اوهمت الشركاء انه حرّ بمنطقة نفوذه السياسي ومن حقه وحريته التلاعب بها كما يشاء، و تجاهلوا اننا جميعا في سفينة واحدة، وانه ليس لاحد منا ارادة مفردة متعسفة او مصلحة بعيدة عن ارادات ومصالح الاخرين، لانه بحماقته او بتآمره قد يغرق الجميع اذا تُرك يعبث لوحده في مساحته المزعومة. حصة (المكون) الشريك محفوظة بالدستور و العرف و الاخاء الوطني والعهد السياسي الملتزم، طالما احترمناها و وقفنا بصلابة واصرار لتحقيقها، ولكننا في الوقت ذاته نضع اكبر الخطوط الحمراء ونطلق اعلى اجراس الانذار بوجه المؤامرات والتدخلات الخارجية التي وصلت اطماعها الى اعلى واهم المناصب السيادية في البلد، و تاريخي السياسي ليس ببعيد عن اذهان الاخوة والاصدقاء رفاق الدرب بل وحتى عن الاعداء، وهم جميعا يعلمون ان نوري المالكي حين كان في المعارضة لم يكن يخضع لاية اجندة اقليمية او اجنبية، ولم يكن يرى في (الدعم) الدولي المفترض الا ادوات و وسائل عون للاطاحة بالنظام الديكتاتوري فحسب، لذلك لم تجد اي جهة دولية ثغرةً او دالّةً تتسلل منها الينا بعد ان تسنمنا زمام السلطة، فكيف يتوهمون اليوم بعد مرور اكثر من عشرين عاما على ادارتنا للحكم ان نفرّط بارادتنا او نسمح للايدي الخفية السوداء ان تضع ذيولها و عملاءها في اعلى مناصبنا السيادية !!!؟؟؟
نعم اقولها ملء الفم انني دعمت ترشيح الدكتور محمود المشهداني وعملت على تسنمه منصب رئاسة البرلمان لانني اؤمن بوطنيته و نزاهته، ولانه احد اهم اعلام السياسة في مكوّنه طوال عشرين سنة خلت ولانه رجل بتاريخ نضالي مشرّف لم ينبت فجأة بعد 2003 كسواه من التجار و رجال المال الاعمال الذين تسللوا الى عالم السياسة فأفسدوا كل شئ.