بقلم: سعد الاوسي ..
ربما أفهم أو اتفهم ان الترهل الهائل بعدد الموظفين في مؤسسات الدولة بعد 2003، هو شكل من اشكال توزيع عوائد الثروة القومية (النفط تحديداً) على ابناء البلد في ظل اقتصاد كسول راكد غير منتج وصناعات بدائية وضعف نشاط القطاع الخاص وحركة الاستثمارات الحقيقية و غياب خطط التنمية المستقبلية.
و ربما افهم او اتفهم ان تكون رواتب العدد الهائل من الموظفين في الدولة هي المحرك الاساس للتداول النقدي والاقتصادي و سير عجلة الحياة، مع ان النظريات الاقتصادية تشير الى ان هذه الدائرة الريعية الاستهلاكبة غير المنتجة هي اسوأ انواع الاقتصادات في العالم والتي تكون دائما على حافة و خطر الانهيار في اية لحظة، لدى حصول اي متغير اقتصادي او سياسي عالمي كانخفاض اسعار النفط على سبيل المثال .
اقول انني قد اتفهم ذلك في الوقت الحالي فحسب على انه احسن ما بالامكان في ظل سنوات الفوضى السياسية والفساد واللصوصية وجهل الادارة وقلّة الخبرة و الاصطراع الطائفي والحزبي المحموم الذي تُرجم الى (تحاصص) و تقاسم مكاسب وتشارك مصالح و انتهاب منظم للمال العام غير مسبوق في تاريخ الدولة العراقية.
الا ان هذا الترهل مع كونه اشد امراض الادارة والعمل السرطانية، قد يكون محتملاً او مقبولاً على -كراهةٍ- في بعض المؤسسات و الوزارات المحدودة وللضرورة وغياب البدائل المتاحة، كوزارة الصناعة التي نعرف جميعاً لا تصنع شيئا او وزارة التجارة التي كانت في زمن (الديكتاتورية المزعومة) صرحاً اقتصاديا و ادارياً يضرب المثل بحصافته و حنكة ادارته في توفير لقمة الشعب ايام الحصار القاتل ، وتحولت الآن الى مجرد دمية ترضية وتطييب خاطر لهذا وذلك من الطارئين والنصابين كالشيخ (طرطميس) الذي هو لا جمعة ولا خميس ولا يعد ولا يفتقد الا كالزائدة الدودية في الجسم، و ابنه الحبوب الدبدوب (الممحون)الذي لا يتوب، وعقدته لسنوات من عدم قدرته لبس البدلة الرسمية بسبب ضخامة كرشه و هزال مؤخرته مما اضطره الى اجراء عملية نحت لتحويل دهون الكرش الى حنتورته مع مايلزم من عمليات التبييض والتنعيم والتضييق !!!!.
وربما اتفهم ايضاً ان يكون هذا الترهل على سبيل مثال آخر في شبكة الاعلام العراقي التي تأسست اصلاً كبديل ديمقراطي لوزارة الاعلام الديكتاتورية السابقة، لتتحول الى بؤرة فشل واخفاق وترهل كبير مع انها اكملت عامها العشرين في العمل و بميزانيات مليارية ضخمة ذهبت كالهباء المنثور مع الحفاظ على كل الممارسات البيروقراطية في الادارة والدكتاتورية في الايدلوجيا والتوجه وعمادها الاستخداء والتبعية لرؤساء الحكومات وترويج الاكاذيب حول انجازاتهم !!!
اقول ان هذا الترهل مهما ساء و اساء و اثقل كاهل المؤسسات الحكومية تبقى انعكاساته وضرره ضمن اطر محدودة يمكن معالجتها واصلاحها والسيطرة على الخراب الناتج عنها في اي وقت وعند توافر نيّة الاصلاح الحقيقية.
الا ان هذا الترهل في اعداد الموظفين والمنتسبين يبدو كارثيا حين يكون في المؤسسة الامنية الاعلى والاخطر والاكثر مسؤولية في حماية الامن الوطني واعني بها مؤسسة المخابرات (جهاز المخابرات) على وجه الدقة.
لقد شاءت الظروف ان اعمل في جهاز المخابرات كمستشار اعلامي، وان اكون ضمن الرعيل الاول الذي تكلف باعادة تأسيسه بعد (هيكلة) وتفكيك الجهاز القديم الذي كان يدين بالولاء العقائدي والنفسي وربما الايماني بالنظام السابق الذي أسسه و طوّره طوال اكثر من ثلاثين سنة.وكان الفريق الطيار قوات خاصة محمد عبدالله الشهواني اللذي كُلّف باعادة تأسيس الجهاز وادارته مثالا للقائد الكفوء المحنك والعراقي الاصيل المنتمي حقا الى وطنيته و شرفه المهني و بطولة مواقفه وشجاعة قراراته متماهياً مع سيرته المهنية الحافلة كضابط قوات خاصة كانت له بصمة واضحة في الجيش العراقي.
وقد استطاع الفريق الشهواني ان يعيد تشكيل جهاز مخابرات قوي على اسس علمية ومهنية في فترة قصيرة نسبيا امتدت من نيسان 2004 حتى أيلول 2009 ، رغم الفوضى الامنية والسياسية والحرب الطائفية الدموية التي عمّت البلاد ابان تلك الفترة.
ثم استقال الشهواني او بالاحرى اقيل بمزيج من ارادة خارجية و مؤامرة سياسية داخلية لتبدأ بعده واحدة من اسوأ وافشل فترات عمل جهاز المخابرات بعد تكليف اللواء زهير الغرباوي برئاسة الجهاز !!!!!.
والذي ماتزال آثار ادارته الفاسدة الفاشلة تنعكس حتى الان على عمل الجهاز وهيكليته الادارية والمهنية حتى بعد مرور سبعة اعوام على اقالته. حيث شهدت فترة الغرباوي التي استمرت من أيلول 2009 حتى حزيران 2016 من المهازل والمفاسد والممارسات المشينة ما لا اذن سمعت ولا عين رأت ولم يخطر ببال !!!؟؟
ربما سيظن بعضكم الان انني ابالغ او اهوّل من رداءة المشهد و سوء ماحدث وقتها والذي شهدته عن كثب من موقعي كمستشار في الجهاز وكذلك كمتحدث رسمي عنه .، والعديد منها تناولته في مقالات او منشورات سابقة ليس كرها بالغرباوي ((رغم انه يستحق مني ومن العراقيين جميعا اعلى درجات اللعن والكراهية بسبب مافعل في هذا الجهاز العريق العظيم من مفاسد لا اعتقد ان اي منحرف مهما تسافل يمكن ان يتجرّأ على امثالها).
ولكنني اليوم اجدني مضطرا للعودة الى الحديث عن جهاز المخابرات والسوس الذي ينخر في جسده بسبب الزروع الشيطانية التي تركها زهير الغرباوي فيه قبل خروجه.واهمها واكثرها تخريبا هو اغراق الجهاز بعدد كبير جدا من تعيينات غير الكفوئين والفاشلين و شذاذ الافاق دون اية معايير مهنية سوى مصلحة الغرباوي نفسه، الذي كان يحرص على بيع الدرجات الوظيفية بصفقات و اتفاقات تتحول الى مكاسب واموال وعقارات ضخمة.
ومنها على سبيل المثال منحه لامين العاصمة (المسخرة) نعيم عبعوب (الهارب الان بسبب تهم واحكام فساد) 100 درجة وظيفية بصفة ضباط خارج الضوابط والسياقات والتعليمات !!!.
مقابل ان منحه عبعوب افندي العشرات من قطع الاراضي المميزة له ولاولاده وبناته واشقائه وشقيقاته تبلغ قيمتها عشرات ملايين الدولارات.
حتى صار يطلق تندّرا على هؤلاء الضباط في الجهاز (دورة عبعوب) !!!!!.
وفي ذات السياق اصبح هنالك دورات ضباط اخرى باسماء بعض المراجع الدينية كان الغرباوي قد منحهم مئات الدرجات الوظيفية لتعيين ضباط في الجهاز خارج السياقات والضوابط والكفاءة والمهنية بلغ عددهم 1800 ضابطاً بالتمام والكمال !!!!.
لكي يضمن الغرباوي بذلك دعم تلك المرجعيات الدينية لبقائه في منصبه اطول فترة ممكنة و غض النظر عن الفساد والخراب الذي كان يمارسه.
وحين شعر الغرباوي ان امره قد استتب وانه اصبح بظهر قوي، صار يبيع الدرجات الوظيفية تلك وباسعار محددة عبر سماسرة يعملون في العلن دون وارع خوف او رقابة، فالسيد رئيس الجهاز شخصيا هو المستفيد وهو صاحب (جمبر) الدرجات الوظيفية المعروضة للبيع !!!!.
وقد بلغ الامر ان احد سماسرته فتح مكتبا في مدينة الناصرية لبيع تلك التعيينات وباسعار محددة، فالذي يريد ان يصبح ضابط مخابرات بكل الكشخة والنفخة عليه ان يدفع من 20.000 عشرين الف الى 30.000 الف دولار وحسبما تتحمل علباته من السطرات.
والموظف والمنتسب من 5.000 خمسة الاف الى 10.000 عشرة الاف دولار حسب المكان الذي يختاره !!!!.
ولان السيد (الرئيس) الغرباوي كما يحلو له ان يناديه جميع من في الجهاز هو مطيرچي قديم معروف ولا يخفي ولعه باقتناء اندر انواع الزواجل والاشاعل، صار مطيرچية العراق يعرفون اسهل الطرق للتعيين في جهاز المخابرات كضباط او منتسبين باهداء الغرباوي عبر المقدم ماهر المشهداني المكلف بادارة شؤون طيور الرئيس وتنظيف ابراجها و تجهيز طعامها. اجمل واندر انواع الزاجل والاحمر بالاشعل، ليحصل من يقدم الزاجل على درجة ضابط ومن يقدم الاشعل باحمر او المحجل على درجة موظف منتسب للمخابرات !!!!.
فصار في الجهاز من يسمون ضباط الزواجل ومنتسبو الاشاعل !!!!!
يا للعار والخزي
ان هذه الفترة المهينة من عمر الجهاز وهي الفترة المحصورة أيلول ٢٠٠٩ حتى حزيران ٢٠١٦ يجب ان يعاد تقييمها والبحث والتفتيش في شؤونها وربما هيكلتها واستبعاد ضباطها ومنتسبيها العاطلين عن العمل من عديمي الكفاءة المسيئين بوجودهم الى عمل المخابرات الدقيق وسريته ودقّته ، وتحويلهم الى دوائر مدنية او احالتهم على التقاعد.
هل يعقل ان جهاز المخابرات الوطني العراقي الذي يعد من الاجهزة ضعيفة المستوى والقدرة بالقياس الى اجهزة الدول المحيطة والاقليمية كتركيا وايران و مصر والكيان الصهيوني والاردن،
يبلغ تعداد العاملين فيه مايقارب 14000 الف ضابط ومنتسب و لايعرف على وجه التحديد مادورهم وماهي انجازاتهم المتحققة خلال السنوات العشر الاخيرة على سبيل المثال، بينما يبلغ تعداد العاملين في جهاز الموساد الاسرائيلي اقل من 2000 ضابط وموظف !!!؟؟.
حتى جهاز المخابرات الروسية العريق الذي يمثل دولة عظمى وله انجازات تاريخية وحاضرة حافلة تتناسب مع حجم دولته لا يتجاوز تعداد موظفيه 13000 الف ضابط وموظف فقط !!!؟؟؟
اي اقل من عدد جهاز المخابرات العراقي بالف موظف وضابط .
ان هذا الترهل المخيف علاوة على كونه هدرا لامكانيات الجهاز وعائقا في حركته وادارته، يمثل خطرا كبيرا على اساسيات العمل المخابراتي من سريّة و كتمان و دقّة .
ثم اين (يداوم) كل هذا الجيش الجرار، وماذا يفعلون في ساعات دوامهم !!!؟؟؟
وماهي المهمات الخطيرة التي يضطلع بها الجهاز الان بحيث تستدعي استخدام هذا العدد الهائل من العاملين ؟؟؟
واين انعكاسات عملهم على امن البلد الخارجي ونحن نعلم جميعا اننا اكثر بلد مخترق امنيا ومخابراتيا من عشرات الدول الكبيرة والصغيرة بل وحتى المجهرية، وليس اختراقات بسيطة فحسب بل في اعلى المناصب والقيادات السياسية والادارية والامنية الحساسة !!!.
لاحل الا بحل جهاز المخابرات واعادة تشكيله من جديد بما يتناسب مع مهمته وواجباته الوطنية وحجم احتياج البلد الحقيقي من خدمات ومهام امنية واستخبارية، او على الاقل اعادة النظرة بفترة زهير الغرباوي المظلمة واعادة تقييم كل التعيينات والقرارات التي تمت في عهده للتخلص من ادرانها وتسريح ضباط عبعوب والزواجل والاشاعل ومنتسبي الخمسة الاف دولار من الخدمة او تحويلهم الى دوائر مدنية اخرى.
وخليهم يظلون يسبوني ويدعون على سعد الاوسي همه ونسوانهم طول العمر.
ولا يهمني
الوطن غالي غالي
الوطن غالي وسمح ويه اليحبوه
وكل گلوبنا تحبك يا عبعوب
من اگلبت سنطه وسكته
العزيز انت انت
اهووو شوفوا اني وين رحت
بس لا يجتثوووني…….!!