متسترون نهاراً – مستهترون ليلاً
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
أغرب ما شاهدته ليلة امس بعض المقاطع المصورة وجدتها منشورة في مواقع الفيسبوك، كانت جميعها تعكس ظاهرة البذخ والإسراف في ملهى ليلي من ملاهي مدينة السليمانية، يحمل أسم: (النادي العائلي). . كان المسرح مزدحما بالراقصات. ولا علاقة له بالعائلة ولا بالترفيه البريء. حيث الموائد عامرة بمشروبات كحولية من كل الأحجام والأصناف، بينما الموسيقى الصاخبة تصم الآذان. .
ابشع ما رأيته في هذا المنظر أكوام العملات الورقية من فئة 100 دولار. تلال مكدسة فوق بعضها البعض. رزم مالية متناثرة في الهواء بكميات هائلة تحتاج إلى جرافات لكنسها، كان احد العاملين في الملهى منهمكا بجمعها في صناديق كبيرة، لكنها ظلت تنهمر بكثافة، وتتساقط كما المطر فوق رؤوس الراقصات المترهلات المترنحات. . الأوراق النقدية مبعثرة فوق الأرض وعلى الطاولات وفي الممرات وملتصقة بأجساد الراقصات، منظر لن تجده في كازينوهات لوس أنجلس ولا في ملاهي لاس فيجاس ولا في حي الطرب. ملايين الدولارات تُنثر هناك كل ليلة بلا وجع قلب. .
مهربون ولصوص ومقاولون وسياسيون وتجار وسماسرة ورجال دولة ومعهم لفيف من اصحاب الدرجات الخاصة، من الذين يتظاهرون في ساعات النهار بالورع والتقوى والعفة والنزاهة والاستقامة والشرف (وأحلى من الشرف مفيش – برواية توفيق الدقن)، ثم يظهرون على حقيقتهم بعد غروب الشمس. فيتوافدون على المراقص وصالات القمار حيث السكر والعربدة والسرسرة والسربتة والخلاعة والتهتك. بعضهم كان يحمل مسدسات مخصصة لنثر الدولارات (money gun). وكأنهم في عجالة من امرهم لتفريغ ما بجعبتهم من أموال. . من اين جاءوا بها ؟، وكيف حملوها في جيوبهم ؟. ألا يفترض ان يسألهم السائلون: من أين لهم هذا ؟. .
لا شك انهم احرار فيما يفعلون، ولكن لماذا يرمون هذه الاموال التي لا نعرف اصلها وفصلها ومصدرها، تساؤلات يطرحها كل فقير على اجهزة الدولة. وهل لدى هؤلاء فائض لا ينضب من الأموال حتى يبعثرونها بهذه الأساليب العبثية ؟. .
كان هذا في مسرح واحد، فما بالك ببقية المسارح ؟. وكلها مجازة رسمياً ببركات الجهات الرقابية وبعلم كبار القادة حفظهم الله ورعاهم. .
الشيء بالشيء يُذكر ان السلطان سليمان القانوني أرسل إلى ملك فرنسا فرانسوا الأول قائلا: لقد علمنا أن الناس عندكم يتراقصون في الشوارع والأماكن العامة بشكل وقح، ولأن بلادكم لها حدود مع بلادنا فإننا نخشى أن تنتقل هذه الوقاحة إلى بلدنا فإذا وصلتك رسالتي هذه فأوقف هذه الوقاحة، وإلا ساتي بنفسي لأقضي عليها. وما ان وصلت الرسالة إلى الملك حتى أمر بوقف الرقص العلني وأصبح الرقص في فرنسا سريا لمدة 100 عام. .
كلمة اخيرة: اعلموا ان اخطر فيروس فوق ارض العراق هو هذه الفئات الملعونة من التافهين الداعرين المبذرين المسرفين. اللهم اكفنا شرهم. .