فن – بعثوية – العقول .. !
بقلم : حسين الذكر ..
في يوم ما زرت مؤسسة علمية كبرى .. صادف ان رئيس المؤسسة (صديقي ) وخصص ذلك اليوم من كل شهر ليلتقي اسر العقول العراقية المهاجرة او موفدة او مغتربة خارج العراق بعناوين وأسباب وملفات شتى .. فما ان رآني الرجل بادرني فرحا : ( اهلا وسهلا بك أستاذ الذكر فرصة جيدة للتطلع بنفسك على معاناة الناس – البعثوية – .. )
جلست وسمعت ما اسقط بقية شعيرات صلعتي التي دهسها العمر ومحطات الضيم المؤجند .. تالمت كثيرا لضياع تلك العقول والمليارات التي لا يعود منها الا النزر للوطن .. بعدما يكتشف عبقريتهم الاخر الغربي ويوظفهم لديه بعناوين عدة بعضها – اللجوء الشيطاني – .
سالني احدهم قائلا : ( هل يجوز بعث موهبة عراقية خارجيا باموال الدولة .. دون تامين عودته لخدمة بلده ) .. فقلت : ( هناك حكمة عربية مضمونها : – مجنون من يعير كتاب من مكتبته .. والاجن هو ذلك الذي يعيد الكتاب – فان الموهوب العبقري الذي تتفتق قواه الخارقة في مؤسسات عالمية لا يمكن ان يكون حرا بالعودة الى – محرقة – بلده بعد ان تحيط به المغريات ظاهرها وخفيها ) .
بمائدة غداء ريفي بإحدى المناطق الزراعية باجواء مبسطة سادها الود والاريحية والانتماء .. تحدث جميع الحضور عن مشاكل تخص الاختصاصات الطبية والمعمارية ووووووو … والكثير غيرها ممن يصعب وجودها او بالأحرى بقاؤها في البلد .. بعد ان احالوا البيئة الى محرقة او مقبرة للعقول .. فيما هيأوا لهم جنائن حقيقية ببلدان أخرى يسيل لها لعاب كل ذو لب .. وقد ضربوا عدد من الأمثلة بعراقيين تجنسوا في بلدان غربية وتم تعينيهم بمناصب كبرى يقدمون ذروة ما اجاد العقل الإنساني لتلك البلدان ) .
فقلت : ( ذلك لا يحصر في الدراسة او العلم بل في مجالات الفن والرياضة … ممن افتقدنا فيها الكثير جراء فشل الاحتواء وتهميش تلك الطاقات التي عادت الى البلاد ولم تحز غير القهر والذل وربما التهديد بمن استولى على منصب بغير علم بعد ان وزعت محاصصاتيا او توافقيا ) .
ثم ضربت مثلا : ( في 2005 التقيت المهندس المعماري والحكم الدولي العراقي فرات احمد الذي هرب من العراق في التسعينات تحت وقع الحصار والقهر . فسالته متى ولماذا عدت سيما وقد شاهدناه 2001 يقود تحكيم احدى مباريات البريمرليغ وفرحنا وفخرنا لعراقيته .. فقال : ( لقد زارنا د إبراهيم الجعفري الى لندن بعد 2003 واجتمع مع الكفاءات العراقية بلندن طالبا منهم العودة والمشاركة بإعادة بناء الوطن ومتعهدا بان يساعدهم على الانسجام بالمجتمع وتهيئة سبل العمل بروحية احدث لبناء العراق بعد عقود اقل ما يقال عنها انها – عصيبة – ).. ثم أضاف: ( لبيت النداء وعدت على حسابي الخاص ، لكني وجدت ما سماه – نفس الطاس والحمام – لم يسال عنا احد ولم يعطنا فرصة اطلاقا للعمل .. وسالنا عن الجعفري فلم نجده ولم يسال هو عنا .. فاضطرننا عرض قضايانا على الصحافة والاعلام .. ) ..
بعد مدة سمعنا ان ابن الحكم الدولي فرات احمد قد اختطف .. وقد دفع ما جمع من شقاء العمر كي ينقذفه .. ثم قرر العودة لبلاد الغربة بلا رجعة .. وترك التحكيم وكرة القدم الى الابد .. فيما يعمل الان مهندسا وفنانا معماريا .. في بلاد الغربة التي عرفت كيف تسرق العقول او تحتضنهن .