المقالات

التكامل الجيلي

بقلم : د. سنان السعدي ..

يتفق الجميع ان هناك صراع ازلي بين الاجيال بسبب الاختلاف في التفكير وفي زخم الاندفاع بين الجيلين ففورة دماء الشباب تنعكس على سلوكياتهم في جميع مفاصل الحياة ومنها الحياة السياسية، على عكس من تجاوزوا مرحلة الشباب واصبحوا من المخضرمين في مجالات الحياة كافة، وهذا الاختلاف يبدأ من داخل الاسرة ومنها ينطلق الى المجتمع بشكل اوسع. حتى تبلور هذا الصراع وتحول الى سلوك اقصائي سياسي او ما يعرف بالازاحة الجيلية التي تهدف الى ازاحة الطبقة السياسية المخضرمة لصالح الجيل الشاب الذي يحاول دخول المعترك السياسي وبقوة منذ سنوات.
يعد التكامل الجيلي في العمل السياسي من وجهة نظر الصرح الوطني، من الركائز الأساسية لبناء مجتمعات متوازنة ومستدامة. فالتجارب التاريخية أثبتت أن العمل السياسي الذي يقصي جيلًا لصالح آخر يفقد توازنه ويبتعد عن تحقيق التنمية الشامل وعليه، فإن تعزيز التعاون والتكامل بين الأجيال المختلفة من الشيوخ ذوي الخبرة إلى الشباب الحاملين لطموحات التغيير يشكل ضرورة وطنية ومجتمعية.
تتجلى أهمية التكامل الجيلي من وجهة نظر الصرح الوطني في كونه القناة التي تربط بين الخبرة والحداثة، وبين الماضي والمستقبل. فالأجيال الأكبر تمتلك رصيداً من الخبرات والمعرفة السياسية المتراكمة، فيما يتميز الشباب بالحيوية، والقدرة على التفاعل مع أدوات العصر الرقمي، والجرأة في الطرح والمبادرة. وعندما يتم الجمع بين هذين البعدين في إطار تشاركي، تتحقق بيئة سياسية أكثر نضجاً وأبتكاراً. كذلك يعطي التكامل الجيلي مرونة في المواقف المتغيرة، ففي ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية السريعة، تحتاج الأنظمة السياسية إلى تبني سياسات قابلة للتعديل. فالتكامل الجيلي يمكن الحكومات من استيعاب مطالب جديدة دون انهيار البنية الأساسية، لاسيما نحن اليوم نخوض في عالم السياسة المتسم بالتغيير السريع والتنوع الفكري، لذا نحن نؤمن بالتكامل الجيلي كاستراتيجية حيوية لتعزيز التماسك والمرونة في العمل السياسي.
رغم هذه الأهمية، إلا أن الواقع السياسي العراقي يعاني من فجوة بين الأجيال. يعود ذلك إلى أسباب عدة، منها النزعة نحو احتكار القرار من قبل النخب القديمة، مما ولد ردة فعل معاكسة تمثلت في اندفاع بعض الشباب لإقصاء من سبقوهم بدعوى “تجديد الدماء”. مما سوف يؤدي بالنتيجة الى نشوب صراعات لا تخدم العملية السياسية، بل تؤدي إلى مزيد من التشرذم والضعف المؤسسي.
لتحقيق التكامل الجيلي، ينبغي اتخاذ خطوات عملية، منها: تأسيس منصات حوار بين الأجيال، لتبادل الرؤى وبناء جسور ثقة. تمكين الشباب عبر منحهم فرصًا حقيقية للمشاركة السياسية، وليس مجرد حضور رمزي. تشجيع القيادة التشاركية داخل الأحزاب والمؤسسات، بحيث تبنى القرارات بتوافق الآراء لا وفقاً لهرمية صارمة. تطوير نظم التعليم السياسي بما يشمل سرد تجارب الجيل السابق وتحليلها بعين نقدية، وتقديمها كمصدر إلهام لا كمسلمات يجب الاخذ بها.
الخلاصة :
يرى حزب الصرح الوطني إن بناء مستقبل سياسي مستقر وعادل لا يمكن أن يتم دون وعي عميق بأهمية التكامل الجيلي. فالسياسة ليست حكراً على جيل دون آخر، بل هي مشروع وطني جامع، لا يكتمل إلا بتعاون الجميع. ولذلك، فإن الرهان على التكامل بين الطاقات الشابة وحكمة الشيوخ ليس خياراً، بل هو الطريق الوحيد نحو التغيير المستدام والنهضة الحقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى