ديمقراطية كنتاكي .. حينما تتسول النخب !
بقلم : حسين الذكر ..
اشار الي الطبيب بعد دفع الكشفية مع عربون السكرتيرة الذهاب الى صيدلية محددة وقد دفعت سعر الدواء اكثر مما ينبغي، فلم اناقش في بيئة لا تجيد فن الحوار والاقناع وربما تجرك الى عواقب عشائرية او جماعاتية وخيمة .. فضلت السكوت وشراء وجبة اخرى من صيدلية لا تبعد عن الاولى لمعرفة فارق السعر بين الصيدليتين وقد تبين انه الثلث تقريبا .. قطعا العملية برمتها لا تتعلق بالصيدلي ولا الطبيب ولا المريض فكلنا بيئة واحدة تحتاج الى انتجاع جذري في الاليات والقيم قبل التنفيذ !
بعد انتهاء حفل توقيع كتابي ( ميكيافلية كرة القدم ) الذي اعده ترجمان لصراخ اخوضه دون ان يسمعه احد .. استوقفني مشجع في الشارع قائلا : ( استاذ صار خمسين سنة اشجع لم اسمع لاعبا او ناديا او مدربا اسمه ميكيافييلي.. فمن اين جئت لنا به )؟! .
اتصل صديقي استاذ الاعلام والفن قائلا : ( اعتذر لعدم تمكني حضور حفل توقيع كتاب أراه ينبغي ان يعمم الى قيادات الدولة كافة لغرض عم الفائدة ) .. ثم استفسر : هل تم شراء كتابك؟ فقلت : ( يا اخي ان تجارة الكتب والتاليف كاسدة بائرة خاسرة حتميا .. بل مجلبة الهم والتعب .. فامة اقرا لم تعد تقرا .. لكننا ما زلنا نشعر بتأدية الواجب والامانة اتجاه الامة والانسانية بعرق نابض لا يهدا ما دمنا على قيد الحياة ) ..
كتب الدكتور علي الوردي : ( ان من يدخل السوق عليه ان يركن العقل جانبا .. فبيئة وقوانين واخلاقيات السوق تختلف تماما عن موجبات الفكر ) .. فتلك تستهدف الربح – والربح اقرب الى غاية تبرر الوسيلة – بمعزل عما يرفع التاجر من صور مقدسة او سور وايات محكمة على جدار محله .. القضية برمتها تتعلق بالحكومات وسعيها لخلق مدن فاضلة .. فلو ولد سقراط ( ذلك الحافي الاثيني الذي منذ الفين وخمسمائة سنة ما زالت طروحاته تنهش عظام المتلونين والادعياء والسفلة ) في زماننا وبيئتنا هذه سنجده يتسول من اجل لقمة العيش باحدى شوارع مناطقنا الشعبية اذ يمنع سيره في مفاخم احياء العاصمة ) .
في العراق الجديد .. استجدت ظواهر تحت ستار وجلباب وعنوان ديمقراطي لم يكن معهود بمختلف مراحلنا السالفة .. فعلى سبيل المثال افتتاح الصيدليات وتوسعها بشكل عشوائي كيفي ينسجم تماما مع زيادة وتيرة مطاعم الفلافل والكنتاكي ومسيلات الدهون الممتدة بما يوازي مقاهي وكازينوهات ( الاركيلة واخواتها ) .. اما تجارة ( الوعي ) وامكانية بيع الروايات والكتب سيما المترجمة اصبحت من معاجز القدر واضحوكات الزمان وان وجد النزر فعلى بسطيات سقراطية حتما تكون بائسة !