المقالات

البداية الكبرى للصراع.. ابليس وادم ونشأة التحدي

بقلم: علي الحاج ..

الجذر العقائدي والتاريخي لاعظم صراع شهده الوجود، صراع الحق والباطل، الذي لم يبدا مع كربلاء، ولا مع الانبياء، بل مع اول لحظة في الخلق، عندما قرر الله سبحانه وتعالى ان يجعل في الارض خليفة.
في مستهل محاضرته في المجلس العزاء الحسيني لعام 1447، تناول الشيخ قيس الخزعلي، هذا الصراع الازلي، من مشهد قرآني عظيم، حين اخبر الله ملائكته بنيته خلق ادم، فكان رد الملائكة: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) اعتراض الملائكة – بحسب الشيخ الامين– لم يكن عنادا، بل كان فهما محدودا للحقيقة، اذ راوا الجانب المادي من الانسان، ولم يدركوا سره الالهي، المتمثل في قوله تعالى: (ونفخت فيه من روحي).
لكن ابليس لم يكن اعتراضه مثل اعتراض الملائكة، بل كان اعتراضا استكباريا عقائديا، قائما على “الأنا”، حين قال: (أنا خير منه) وهنا، نشأ اصل التحدي، ابليس، بعد ان طرد من رحمة الله، طلب المهلة: (انظرني الى يوم يبعثون) وتعهد قائلا: (لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين).
يرى سماحة الشيخ ان هذا التحدي هو بداية مشروع ابليس الذي لا يزال قائما الى اليوم، وان كل صراع دموي او اخلاقي او فكري هو امتداد لهذا التعهد الابليسي، وان ابليس لا يزال ينفذ وعده، ويغوي البشرية من كل الجهات: (من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم).
المهم في خطاب الشيخ انه يسلط الضوء على قاعدة خطيرة:
ان ابليس لا يركز على المؤمنين الخلص، بل يعمل على الطبقة الرمادية، على عامة الناس، على الاغلبية القابلة للتشكيك والخداع، فيعمل على خلط المفاهيم واثارة الشبهات وغرس الاهواء في العقول.
ثم يلفت سماحته النظر الى اول جولة ميدانية في هذا الصراع، بين قابيل وهابيل، حيث كانت بداية بشرية مأساوية، حين قُبل قربان احدهما ولم يقبل قربان الاخر، فقتل الاخ اخاه، وهنا، كانت الجولة الاولى لصالح ابليس.
هذه القراءة التي يقدمها الشيخ الخزعلي تحول فهمنا للواقع الى وعي اوسع، يتجاوز السياسة والاحداث اليومية، نحو رؤية شاملة تربط كل ما يحدث بمنهج قرآني يتحدث عن (الملأ الأعلى) و”الاختصام” و(النفخ من روح الله)، في هذا السياق، تصبح كل مواجهة مع الباطل امتدادا لتاريخ طويل من التحدي بين النور والظلمة، بين من سجدوا لامر الله، ومن استكبروا وتكبروا وظنوا انهم فوق الحق.
بهذا التمهيد العميق، يؤسس الشيخ لقراءة واقعية للصراعات المعاصرة، ليس كازمات عابرة، بل كفصول متكررة في ملحمة الوجود الكبرى التي بدات في السماء ولا تزال مستمرة حتى ظهور الامام المهدي عليه السلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى