الواقعية في الفكر العراقي المعاصر: شجون وتأملات
بقلم : د. مظهر محمد صالح …
تشهد الصروح الثقافية في المشرق عموماً وفي بلادنا على وجه الخصوص استبدالاً للكثير من النزعات الاسطورية و الكوابح الايديولوجية في التعاطي مع قضايا المجتمع والحياة ولاسيما في العراق المعاصر وبمسؤولية نابعة من الايمان بقضية الرفاهية واشاعة المساواة والحريات الشخصية عبر تحرير العقل نفسه من كوابحهِ. فالأنتقال من ساحات القيود المجهولة الآسرة القليلة الثقة في الانسان لفساد طويتها صوي حرية الفكر والعقل ، قد اخذت بالتسارع في تشكيل ابنية جديدة للمدرسة الواقعية الحديثة التي تعطي الحياة والفكر بعداً اوسع في درجات الحرية ، وان مساحة الحرية الفكرية التي تتمتع بها الثقافة في العراق اليوم ساعدت في نشر الفهم الواقعي للحياة وهو يمتد مع حرية الرأي والتفكير ليعطي الدفء لمن اصابه هزال المعرفة وبردها القارص في اجمل البلدان تاريخاً عرفها الانسان (العراق) . فكتابات مزهر الخفاجي وعقيل الخزعلي وحسين العادلي وابراهيم العبادي ومن سواهم من المدرسة الواقعية الثقافية الحديثة قد امست الاقرب في ضبط بوصلة حركة المجتمع الفكرية المعاصرة وتحديد الميول والاتجاهات نحو حافات الصواب. ومثلما دمج جوستاف كوربي في العام ١٨٤٩ الفن في تفاصيل الحياة بلوحته الشهيرة (( كاسرو الحجر the stone breakers)) وهو يجسد المشهد الحقيقي في مدرسته الواقعية لعامِلَين اثنينِ بثياب بالية وهما يمارسان العمل الشاق ، احدهما يضرب الفأس في الحجر اذ ظلت واقعية تلك اللوحة تجسد حاجز احتجاج للمدرسة الواقعية الفرنسية التي (دمجت الفن بتفاصيل الحياة) ضد الارستقراطية والطبقات المستِغلة ولمصلحة فقراء الامة الفرنسية والكادحين فيها. لذا فان المدرسة الواقعية الثقافية الحديثة في العراق هي من تقود اليوم بدمج (الفكر بتفاصيل الحياة العراقية ) للاخذ بها نحو تيار التاريخ الذي لاتعرف له بداية ولن يتوقف في نهاية ويضيف كل شي الى مجراه في موجات مستمدة من البحث عن الحقيقة.
فالمفكر العراقي مزهر الخفاجي في مدرسته الفكرية الواقعية يتصدى بصوت عالي الى قضية اخذت عنوانا هو : الحرية والديمقراطية.. في قفص الاتهام..!
اذ يتحدث الكاتب بالنص قائلاً((الحرية المفهوم والحرية السلوك والحرية كحق كانت ومازالت حلم البشرية للخروج من عصر العبودية والاستبداد والظلم … والعراقيون والعرب حالهم كحال بقية الشعوب كانوا يحلمون بالحرية ولا يصلون اليها ..
ويسمعون عن الديمقراطية البدائية في المجتمعات القديمه والحديثة لكنهم لم يتعاطون معها
وكانوا يتأملون الحرية في نماذجهم الدينيه والروحية في القص التأريخي ويتماهون معها ، لكنهم رغم كل ماقلت يخافونها …لأنهم يشعرونَ ان حروبهم مع الجوع والجهل والفقر والظلم المتوالية عبر التاريخ قد تضيف لهم الماً جديدا فهم استثناء من كل هذه البشرية لايحصلون على مايستحقونه (الا بعد طلاع الانفس) كما يقول المثل الشعبي ، فالحرية كمفهوم ارتبط في ذهن العراقيين بمسؤولية الفرد في الحفاظ على ماوهبته اليه الحياة ، فالحرية كسلوك كانت تأخذ من العراقيين تأويلا يستدعي في بعض الاحيان المساحة المحصورة بين التحليل والفوضى والحرية كحق ارتبط في ذهن العراقيين بالحق الطبيعي في الوجود القائم على تطبيق منطق العدل والمساواة في مناحي الحياة
ولقد اجمعت كل الموروثات الدينيه والفلسفيه والتراثية على الاهتمام بهذه المركزيات او قل التمجيد بها طالما كفلت له حرية التفكير والتعبير لاكتشاف كفة السعادة المتولده من الحرية كحق …
بقي أن نقول أن الحرية كمفهوم وجودي قد تنوعت انماطها في فهم ووعي وسلوك العراقي والعربي
لكنها كانت في اللاهوت الديني تسير بموازاة التحريم وفي التراث فأن الحرية كرست احترام الاخر وبما لا يلحق ضرر بمفهوم الغير وعبر عنها (بالعيب ) )).
وفي حواري مع المفكر الدكتور مزهر الخفاجي الذي عرج على الصندوق الانتخابي بالقول ((قُدمت الديمقراطية في هذه البلدان كانها بدلة زفاف غير جاهزة لعروس اسمها الحرية وبدل أن تكون الديمقراطية والحرية حلا للكثير من المشاكل السياسية والتاريخية والاقتصادية والثقافية التي عانى منها العراق أو المنطقة العربية منذ أكثر من قرن من الزمان صارت الديمقراطية مصدرا من مصادر تكريس مفهوم سياسي جديد اصطلح عليه (الديمقراطية الدكتاتورية) …
لأن الأحزاب المشاركة فيها برعت إلى تكرار أساليب الدكتاتوريات الشمولية القائمة على استخدام (القوة والمال والتزوير وشراء الذمم ) في القبض على مقاليد السلطة وصار هدف الأحزاب الطائفية استلام السلطة بأي الاثمان ..))
فقد طرحتُ شخصياً ما يجول بخاطري في قضية الحرية والضرورة منوهاً مايلي :ارتدت الديمقراطية اليوم البسة وحملت ادوات تنتمي الى عصور ما قبل الصندوق الانتخابي نفسه وهي تستحضر الماضي بأعماقه الغامضة في بناء المستقبل السياسي لمواطنات تائهة .
انها ممارسات رقمية شديدة الحداثة في آليات تتطلبها الديمقراطية الحديثة لكنها للاسف واسعة الاغتراب وتنحني لقيد ماضوي يشكل ضرورات قامعة لبلوغ الحريات الحقيقية والتي تتطلبها فكرة الخير الاكبر للعدد الاكبر . لذلك دخلت الكتل البشرية الانتخابات وهي خالية من اي برنامج تحرري سوى برنامج احادي لايخرج من انف المناطقية او العشائرية او الهوس الديني المشتت لبلوغ حافات الخير للبعض على حساب البعض الاخر .
فالديمقراطية كأداة لبلوغ الحريات يظل بناؤها هو الوعي المتجانس وغايتها الانسان الحر دون عصبيات مسبقة سائدة كاديولوجيات محركة شديدة التشتت تعود الى عصور ما قبل الدولة الديمقراطية.
ويأتي المفكر عقيل الخزعلي في لمسات مدرسته الواقعية وهو يخط في مرتسم الحياة الفكرية والثقافية لوناً مهولاً في الانطباعية عبر خاطرته التي اخذت عنواناً : إلماعات من درس الانتخابات . اذ ينصرف الكاتب الخزعلي بواقعيته قائلاً((
١ ويبقى (قانون التغيير) هو الثابت الكوني الذي (لا يتغيَّر)!.
٢ مع (الاصرار) الواعي لا مكان للمستحيل (غالباً)!.
٣ الغلبةُ ليست شرطاً في ان تكون قرينةَ:( المال والسلطة والقوة والاعلام والوعي)!، فالطُرق الى (الدهاء) بعدد انفاس الخلائق!.
٤ (الشعبوية) قد تصرعُ (النخبوية)، مِراراً و تكراراً.
٥ (لن تصبر الناس على طعامٍ واحد)، فسياسةُ إبدال؛ (الوجوه والخطاب والبرامج) فعّالة!.
٦ دغدغةُ (المشاعر) اسرعُ استقطاباً من وقع (الفكر)!.
٧ بساطةُ لُغة (العواطف)أمضى من بلاغة نتاج (العقل)!.
٨ العقل (الجمعي) يُجندِلُ (القوى) العصية!.
٩ حَضَرتِ الديمقراطيةُ ك(أداة)، وغابت ك(ثقافة)!، وذُكرتْ مُعضلةُ (السياسة) وذُهِلَ عن ازمة (القيَّم)، واشتبكت الكُتَلُ ب(عُقَدِها) الضيقة واهملتْ (مشاريعها) الجامعة.
١٠ الهوياتُ (الفرعية) تغلبت على (المدنية) الا قليلاً.
١١ الجغرافية انتصرت على التاريخ!.
١٢ ب(الجعجعة والاستعلاء والانانية والعناد والماضوية والتحجر) لن تدومَ جماعة ولن يؤبَدَ مشروع!.
١٣ الداخل يجتهد وينشط وينافس، والخارج يُهندِس ويُفرِّق ويبتغي قطف الثمار ، والازماتُ (تُختَلق) لِتُمَرر (المشاريع) ولتُكبَح (السيادة) ويُقمَعُ (الاستقلال).
١٤ ما يُنسجُ في (الكواليس)، سيأكُلُ من جُرف (العلن), فقد غابَ عن البعض ان الوضوح (قوةٌ) والمهادنةُ (ضعفٌ) أحياناً، كثيرةً!.
١٥ نَزَعاتُ مسكونةٌ ب:(الخوف والعصبية والبداوة والماضوية) استحضرت زخمها العاتي ، قبالَ رغباتٍ خجولة ب؛ (التطور والتمدن والتحضر والمستقبل).
١٦ (الانسان والتنمية والعدالة والحرية) اكثرُ المفردات (ضحية وغياب).
١٧ شهواتُ:(الجاه والشهرة والرجعية والتسلط) اطربتْ جحافل القطيع!.
١٨ الأملُ تصنعه؛ (المبادرة والفعل والاقتحام) لا (الكسل والانهزاميةُ والانعزال).
١٩ من يملك مفاتح (النفوس) وتحليل (الراهن) ولغة (الهموم) واستشراف (المخبوء)، سيُزاحم كارتلات السياسة!.
١٨ – (الانقراض) سُنَّةُ حاكمةٌ اذا شاخت؛ (الافكار والخطابات والاطروحات)!.
١٩ نعم ،(نستطيع)، اذا ماتحققتِ (الارادة) وشَفَعَها (الوعي) وقَرَنَها (التضامن) واسعفها (الخطاب) واعانتها (البوصلة) وساندها (التوقيت)!.
٢٠ الفساد؛(الخدّاع والمتزوّق والمتلوّن والمتعطِّر) نجح في شراء بعض الذمم الدنيئة والنفوس المعطوبة والحس المتبلد!.
٢١ بعضُ الشعبُ تستعبدهُ (السلوكياتْ) الباذلة وان كانت (ماكرة)، بعد أن أُتخِمَ ب(الشعارات) الرنانة التي زادته بؤساً.))
وهكذا ظلَ حواري مع الركن الثاني من اركان المدرسة الواقعية الحديثة وانا اهمس في ذاتي بالقول:ان الدكتور عقيل الخزعلي قلم قد غرز فكره في جسد الامة التي ابتلت في صراعات ظلت اصول نشأتها ومصالحها في الحياة هي مادة تحريك عقولها بين اقامة جدران الحرية بادوات الاصلاح وفكره او اقامة صروح من الشر والتمتع بشبح الخراب ليستخلص الانسان منها دوافع يبقى عنوانها الصراع .فاما ان ينتهي الصراع بتوافق نحو السلام وتوازن المصالح وبناء العيش المشترك ويستظل الجميع فيه تحت
مصباح اسمه الحرية او الضياع في ظلامات تحسِرها العبودية.
اظهرت المدرسة الواقعية العراقية في ركنها الثالث مفكراً نادراً لايشق له ضباب كما تقول العرب وهو حسين العادلي الذي يجسد في واقعيته الثقافية البحث عن الحرية في الحياة .فالقلم والعقل والفكر لاتفارق يومياته بالقوة وصدق العزيمة في البحث عن الحقيقة بواقعية ، ظل الفكر فيها يتطابق مع الموضوع في موسوعة جدلية نادرة : يقول العادلي في خاطرته الثقافية الاخيرة التي رسمت عنواناً لها: ‹‹الإنتخاب››
((• من الصَعب (تمييز) الصدق عن الكذب؛ قبل الإنتخابات، وقبل الزواج، وبين يَدَي الحاكم.
• كما (تؤجج) الإنتخابات سعير الشعارات، تُخرسها (السُّلطة)!!.
• الإنتخابات، (أفضل) الحلول السيّئة، ودونها الطغيان.
• الإنتخابات، مقياس (مواطنية) المواطن، و(شرعية) السلطة، وكلاهما (جوهر) الدولة.
• بين الإنتخاب والإنتحاب، (يقع) الوعي.
• الإنتخابات، (ميزان) ثقل أو خِفّة الديمقراطية.
• الأيديولوجيات، (دِيَكَة) عند الإنتخابات، و(دِجاج مائدة) عند الحُكم!!))
فهنا توقفت هنيهة لاخط شي من الواقعية صوب ما تناوله المفكر حسين العادلي ، اذ ظل حواري معه مسارا جدلياً ربما اوقد بصيصاً في سماء الحرية وتناولت بالقول ((لايعلو صوت فوق صوت الوعود لمعاناً في فضاءات الايديولوجيات الصافية المشرقة عندما تخلو من الفعل وتتمتع بحفلة سياسية صارخة يظل اسمها الانتخابات ، ثم ياتي بعدها همس معجون بحزن الامنيات في فضاء تلبد بغيوم خالية من قطرات وعودها و تمطر الكثير من اللاشيء… !!!فبين السماء الصاحية والسماء الملبدة ..خيبات سميت في قواميس السياسة بالديمقراطيات المنخفضة ، وهي التي يتسع ارشيفها بتطابق اقوال الماضي القوية مع افعال الحاضر المتعثر ؟ إذ تبقى الممارسات الديمقراطية الملاذات الامنة حقا لصد طغيان السماء الداكنة التي لا تمطر الا دماً وهي تبحث عن عالم فارغ خلا من كلمة اسمها : حكم الشعب ….)).
واخيراً:لابد ان انتهي مع ايقونة المدرسة الواقعية في الثقافة السياسية العراقية وركنها الرابع وهو المفكر ابراهيم العبادي ، الذي ادمنت قراءة عموده التحليلي في الفكر السياسي الواقعي مع اركان المدرسة الثلاثة الذين يتحدون جميعهم وهم ممسكين بالذاكرة العراقية وعواصفها دون قلق او فقدان للأمل وبثقافة تدفيء القلب والعقل على الدوام . اذ يطرح المفكر العبادي في اخر تناولاته السياسية قبل الانتخابات مقالا عنوانه:
((قلق مابعد الانتخابات ))
وهو يتصدى الى نبوءة مبكرة في استخلاص حقيقة جوهرية ذكية سددها قبل السير بالانتخابات التشريعية في ١٠ اكتوبر ٢٠٢١ جاء نصها :((يُعبر الكثير من العراقيين عن مخاوفهم من تردي الحال السياسي والامني في العراق بعد اعلان نتائج الانتخابات التشريعية .قبل ذلك كان التخوف من عدم اجراء الانتخابات وتأجيلها ، أو الفشل في تنظيمها بنزاهة ووضوح وبلاتزوير .مازال بعض العراقيين الذين يأملون بالتغيير النسبي قلقين من عزوف الناخبين عن المشاركة ،فعدم المشاركة لانعدام الثقة بالمستقبل القريب وترك الامور بلا مساهمة فعالة في احداث التغيير المنشود ،يعكس بدوره استسلاما لواقع حال ،يستعد شخوصه ورموزه لاعلان نصرهم المبكر قبيل اجراء الانتخابات عبر استطلاعات رأي حزبية مخدوشة في منهجها ومعطياتها ،لكن العارفين ببواطن الامور يدركون ان معظم هذه الاستطلاعات تفتقر الى الصرامة المنهجية ويتسرب اليها رغبات الترويج والتأثير والتوظيف الاعلامي والسياسي ، في توقيت حرج لمعظم القوى السياسية .كان اخراج نتائج الانتخابات فيما مضى يخضع بشكل غير مباشر لسقوف متوافق عليها ،في هذه الانتخابات التي يراد لها ان تحسم جدلا وصراعا وازمات سياسية تخنق النظام السياسي ،صار اعلان نتائج الانتخابات بعد 24 ساعة من اجرائها معضلة في حد ذاته ،ذلك لان من اقنع نفسه عبر استطلاعات رأي وحسابات (دقيقة)وغير دقيقة ،بانه سيكون صاحب كتلة وازنة في البرلمان القادم لن يقبل بنتائج الانتخابات اذا جاءت متناقضة مع (حساباته وتوقعاته الدقيقة )،وسيعمد الى استخدام أدواته للضغط امنيا وسياسيا (لتخريب )الملعب السياسي ،أو ترتيب الامور لبقائه كتله مؤثرة يحسب حسابها في لعبة التوافق على ترشيح وتنصيب رؤوساء السلطات الثلاث .
في هذه الانتخابات التي تجري برقابة دولية واسعة واهتمام سياسي خارجي كبير ،لابد ان ترتفع معايير إجراء الانتخابات الى مستوى التوقعات ،لتكون معبرة عن اتجاهات الشعب السياسية وقيمه وطموحاته ،ولذلك احتاج اصحاب القرار الى جمع القوى النافذة وتوقيعها على ميثاق شرف ومدونة سلوك انتخابي بضمنها الاقرار والاعتراف بنتائج الانتخابات كما تفرزها الصناديق وبعد مدة قصيرة للعد والفرز بلا ابطاء ولا تدخلات .
كل ذلك لم يمنع فريقا من العراقيين عن التعبير عن تخوفاته وقلقه من مرحلة مابعد الانتخابات ،فبعض هولاء المتخوفين يخشى من ظهور عنف مسلح تمارسه قوى قد تخسر الانتخابات وليس لديها الاستعداد لقبول النتائج ،والبعض الاخر يخشى من عودة ذات القوى التي خرج على شرعيتها (الشباب الساخط ) ولم يجد بدا من التعبير ضدها بشعارات تتحدى شرعيتها وسلاحها وجبروتها السلطوي .
هذا المفترق الخطير هو الذي يغذي مخاوف القلقين من مرحلة مابعد الانتخابات اذا جاءت خالية من المفاجاءات كما تدل التوقعات ،ماهو مطلوب عمليا من القوى السياسية في هذه المرحلة هو ان تفكر ابعد من اثبات شرعيتها وحضورها وتمثيلها لقطاع من الجمهور ،فذلك لايمنع من انفجار الاوضاع ،كما ان الهروب الى معارك هامشية لايمنح شرعية اضافية لهذه القوى لتمارس لعبة الصراع والمناكفة بدعوى الدفاع عن قيم ومواقف وموروثات سياسية تعتبر خطوطا حمراء تقتضي الثبات ولو بحمل السلاح للدفاع عنها ،لدينا اجيال عراقية محبطة تعيش حالة عدم ثقة بالطبقة السياسية واحزابها ورموزها ،ولديها اولويات وقيم ومعايير غير ماتفكر به الكثير من الاحزاب والقوى السياسية ،وهذه الاجيال صاحبة مصلحة في انعطاف النظام السياسي الى مرحلة من العمل
والفاعلية خارج نطاق الائتلافات والتوافقات والتفاهمات التي جرى اللجوء اليها طيلة اربعة دورات انتخابية وثبت انها كانت اساليب لعبور الازمات الآنية والمآزق السياسية لكن ثمنها الاجرائي كان فادحا ومعطلا لبناء الدولة ومؤسساتها ،تمديد توافقات المرحلة الانتقالية والعمل على ترحيل الازمات بحلول قصيرة الفاعلية، راكم مشكلات وأزمات خطيرة ،انفجرت على مدى عشرة اعوام لتجلد النظام السياسي وتطيح بشرعية تمثيله للامة ،من ذلك يستنتج الفريق العراقي المتخوف من معطيات المرحلة التي تعقب الانتخابات ،ان الرؤية الحزبية والفئوية قصيرة النظر ستعود بوبال شديد على مجمل النظام السياسي وشرعيته واستقراره القلق . وان الحل يكمن في مغادرة ذهنية الضدية والخصومة والتشكيك (النموذج التونسي احدث مثال ) الى ذهنية الاعتبار من تجارب الاخرين ،والتخطيط للمواقف بناء على استقراء الجمهور ومطالباته واحتياجاته الحقيقية ،وهو جمهور شاب يوشك ان يكون جديدا بالكامل ، ولايعير اهمية كبيرة لرمزية بعض الاشخاص والزعامات والاحزاب ، ولالتاريخهم و(منجزاتهم)،جمهور يريد حلا لمشكلاته المعقدة عبر مؤسسات دولة فاعلة وقوية وقادرة على الاستجابة لتحديات الواقع .))
ختاما : كانت ردود افعالي هادئه دون ان يطغى عليها التفاؤل او التشائم كثيراً وواصلت حديثي مع المفكر العبادي بالقول:((ان هناك نزاهة الصناديق الانتخابية وسير الواقع السياسي بثوب ديمقراطي آخر يحمل رياح التغيير ، سيجعل من القوى التقليدية امام الامر الواقع وقبول الصراع اللفظي اذا ماوجدت لنفسها فرصة مواصلة نفوذها المتأصل حتى وان كان جزءيا في ادارة مقاليد الدولة. وعلى العكس فان حرمان تلك القوى وتجريدها من نفوذها السياسي الكامل ولاسيما في العراق العربي سيضع الحرس القديم امام فرصة للصراع التناحري وتوليد سلاسل الاضطراب في سيناريو خطير من اللا إستقرار وشبه الفوضى واختراق القانون
ومالم تضبط معايير تمردها فستجر البلاد الى حياة من اللاديمقراطية والتنازع وتعطل التنمية السياسية الى امد غير معلوم يتمترس فيه امراء القوة بمصالح ستبقى تصطدم مع السِلم السياسي وبناء الوطن وبمعايير فاقدة للسلام والتنمية والديمقراطية)).