الاخبار السياسيةالمقالات

الإقالة بعد الكارثة… عقوبة أم غطاء للهروب؟

بقلم : الحقوقية انوار داود الخفاجي ..

في كل كارثة تهز العراق، من حرائق الأسواق والمولات، إلى انهيار الأبنية أو فواجع المستشفيات، تنتهي فصول المأساة بخبرٍ معتاد إقالة المسؤول الفلاني أو تقديمه الاستقالة ، وكأن الأمر مجرد إجراء إداري أو خطوة لتهدئة غضب الشارع. لكنّ السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم بوضوح هل الإقالة عقوبة؟ أم وسيلة لحماية المقصر من المساءلة والمحاسبة الحقيقية؟
الإقالة أو الاستقالة لا تعني بالضرورة الإدانة، بل في كثير من الأحيان تكون بوابة للخلاص من المسؤولية. ففي غياب منظومة قضائية رقابية شفافة، وعدم إعلان نتائج تحقيقات واضحة للرأي العام، تبقى هذه الاستقالات مجرد تغييرات في الواجهة، بينما يبقى الجوهر الفاسد على حاله. المواطن لم يعد يقتنع بخبر الإقالة كإجابة على الكوارث، بل بات يعتبرها جزءاً من مسرحية سياسية لحرف الأنظار عن المحاسبة الجدية.
في الدول التي تحترم شعوبها، تكون الاستقالة تسبق الكارثة من باب المسؤولية الأخلاقية لا تأتي بعدها كهروب من العقوبة. أما في العراق، فالمسؤول لا يغادر موقعه إلا بعد ثبوت الكارثة، وليس قبلها، وعادة ما يخرج مرفوع الرأس ، وربما يُعاد تدويره لاحقاً في منصب جديد، في وزارة جديدة، بحكومة جديدة، بلا أي خجل أو حساب.
الاستقالة أو الإقالة يجب ألا تُغني عن المساءلة القانونية. إذا ثبت التقصير أو الإهمال أو التورط في الفساد الذي أدى إلى وقوع الكارثة، فالمسؤول لا ينبغي أن يكتفي بترك المنصب، بل يجب أن يُحال إلى القضاء، ويواجه العقوبة التي يستحقها، كبقية المواطنين. فهل تُعفى ممرضة أو سائق أو معلم من المحاسبة لو تسبب بإهماله في ضرر للناس؟ فلماذا يُعفى المسؤول الذي بين يديه أرواح وحقوق الناس؟

للأسف، تتحول الإقالة في العراق إلى غسل سمعة أو حتى إلى صفقة سياسية ضمن ترتيبات ما بعد الكارثة، فيتم إسكات الناس، وطيّ صفحة التحقيق، وتبقى دماء الضحايا على الورق، لا في ميزان العدالة.

إن بناء دولة مؤسسات حقيقية يبدأ من مبدأ ربط المنصب بالمسؤولية القانونية والأخلاقية. يجب أن يعرف كل مسؤول أنه لن يفلت من العقوبة بمجرد توقيع كتاب استقالة، بل إن المنصب مضاعفة للمحاسبة، لا حصانة منها.
المواطن العراقي لم يعد يثق بعبارة أُقيل المسؤول الفلاني، بل ينتظر عبارة أكثر عدلاً تمت إحالته إلى القضاء، وصدر بحقه حكم بالسجن أو الغرامة أو المنع من تولي المناصب . عندها فقط، نستطيع القول إن الكارثة لم تذهب سدى، وأن دماء الضحايا لم تُهدَر مرتين: مرة في الحريق، ومرة في أوراق الإقالة.

ختاما ما لم تكن الإقالة بوابة للمحاسبة، فهي مجرد قناع… يخفي العار، لا يفضحه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى