سباق فاسدين يحول دون استكمال ميناء الفاو الكبير في العراق
بقلم : سلام عادل …
يدخل مشروع ميناء الفاو الكبير في مرحلة تُعد الأسوأ ضمن ملفات الفساد الكبرى في تاريخ العراق الحديث، من حيث يعتبر هذا المشروع الحيوي الأهم من الناحية الاقتصادية للعراق، كونه البديل الاستراتيجي لموارد الدولة بعد انتهاء عصر النفط، بحكم موقعه الجغرافي الذي يؤهله ليكون خط الترانزيت الأساسي ضمن البرنامج العالمي للتنمية الاقتصادية الذي اطلقته الصين، والذي يعرف باسم (مشروع الحزام والطريق).
وعلى إثر دعوات أطلقها خبراء ونشطاء ومثقفون عراقيون، حذروا فيها من وجود صفقات فساد تُعقد هذه الأيام من تحت الطاولة لتمرير بعض (المقاولات) ذات الربح السريع، على حساب الابعاد الاستراتيجية للميناء، بادرت ايضاً بعض القوى السياسية الى تنبيه حكومة تصريف الأعمال، التي يرأسها الكاظمي، الى التوقف عن تمرير العقود، وتعليق ذلك لحين تكليف حكومة جديدة من قبل البرلمان المنتخب.
وكان العراق قد أعلن وضع حجر الأساس لبناء ميناء الفاو الكبير في عام 2010 بتكلفة تقديرية تبلغ 4.6 مليار دولار، وبطاقة استيعابية تصل الى 99 مليون طن، ليكون واحداً من ابرز عشرة موانئ عالمية، والاكبر في منطقة الخليج العربي، إلا أن الارقام المذكورة من ناحية التكلفة والاستيعاب، وهي ارقام تطرحها وزارة النقل العراقية، تعد مؤشرا على عدم مهنية وزارة النقل العراقية، لكونها لا تعلم، على ما يبدو، أن السعات في الموانئ تقاس باحجام واعداد الحاويات وليس بالاوزان، كما أن تكلفة انشاء ميناء الفاو قد لا تتجاوز 2.3 مليار دولار من ناحية التقديرات الهندسية، أو على الاقل مقارنة بتكلفة إنشاء ميناء جبل علي الإماراتي التي لم تتجاوز 1.4 مليار دولار.
ورغم ذلك يعتقد خبراء النقل أن ميناء الفاو سوف يغير خارطة النقل البحري العالمية، كونه سينقل البضائع بوقت اسرع وبمسافة أقل من اليابان والصين وجنوب شرق آسيا الى اوربا عبر العراق، وبالعكس، بدلاً من قناة السويس، متجاوزاً الموانئ الخليجية التي يتوقع أنها ستبدأ بالضمور بعد عشرة سنوات من تشغيل ميناء الفاو بكامل طاقته الاستيعابية.
وتصر وزارة النقل منذ عام 2010، رغم تعاقب وزراء النقل وتغير الحكومات، على تنفيذ مشروع الميناء وفق أسلوب (المقاولة / EPC) وليس وفق أسلوب (الاستثمار)، وهو ما يعني تخصيص مبالغ سنوية من ضمن الموازنة العامة للبلاد لغرض التنفيذ على مراحل، وهو ما يوفر قدراً كبيراً من الفساد، يتمثل من خلال ابتزاز الشركات المنفذة بشكل مستمر عبر (تعطيل استلام السلف، عدم استلام كل مرحلة، رفض الفحوصات، المساومة على صفقات الإحالة) وهو ما يعني جعل مشروع تنفيذ الميناء بمثابة بقرة حلوب للهيئات الاقتصادية للاحزاب.
وعلى خلفية الاطماع ونوايا الفساد تقرر الاتفاق وفق أسلوب المقاولة مع شركة (دايو / كوريا الجنوبية) لإنشاء كاسر الأمواج الغربي، بينما نفذت شركة (أرشيرودون / اليونانية) كاسر الأمواج الشرقي، على الرغم من كون الشركتان والدولتان من خارج تصنيف قائمة افضل 20 دولة في بناء وتشغيل الموانئ البحرية.
ومع أن حكومة عادل عبد المهدي قد سعت منذ منتصف عام 2019 الى تغيير معادلة الفساد، المتمثلة بالتنفيذ عبر أسلوب (المقاولة) الى التنفيذ عبر أسلوب (الاستثمار)، إلا أن احداث الاضطرابات السياسية والاحتجاجات حالت دون ذلك، الأمر الذي أبقى مشروع بناء ميناء الفاو الكبير تحت تلاعب وتجاذب المقاولين والهيئات الاقتصادية للاحزاب.
وكانت حكومة عبد المهدي قد بدأت في شهر سبتمبر/ ايلول 2019 أولى جولاتها التفاوضية للبدء بتنفيذ ميناء الفاو الكبير عبر أسلوب (الاستثمار) مع شركة China construction communications company، التي تعتبر احد اكبر الشركات الصينية المتخصصة بانشاء وإدارة الموانئ، والتي هي فعلياً تدير ميناء (شنغهاي) الصيني الذي يعتبر أكبر ميناء في العالم، على أن تقوم الشركة الصينية بالشراكة مع شركة Royal Boskals Westminster N الهولندية بتنفيذ المشروع.
وكانت الشركتان الصينية والهولندية قد قدمتا عروض التنفيذ للحكومة العراقية منذ عام 2016، إلا أنهما لم يشهدا استجابة عملية، على ان يشمل العرض فضلاً عن بناء الميناء حفر حوض الميناء، وتعميق القناة الملاحية، واستكمال المتطلبات الاخرى، التي من ضمنها بناء وتعبيد الشارع الرابط بين الميناء والطريق البري الدولي السريع.
ووفق أسلوب الاستثمار والتعاقد مع الشركة الصينية كان ينبغي أن يتم استكمال بناء ميناء الفاو الكبير في غضون فترة لا تتجاوز الثلاثة سنوات، ودون أن يدفع فيها العراق دولاراً واحداً من ميزانيته أو موارده المالية، على ان تكون الشركة الصينية شريكاً في التشغيل لعدة سنوات فقط، فيما تبقى ملكية المشروع بالكامل للدولة العراقية.
ووسط كل هذه الاخفاقات والفساد مازال تنفيذ مشروع الميناء يسير ببطء، الى جانب انباء تتحدث عن مساع إماراتية للتعاقد مع حكومة بغداد لغرض الفوز بعقد تشغيل الميناء من قبل شركة (موانئ دبي العالمية / DP World) وهو ما يعتبر بمثابة استحواذ إماراتي على الرئة الاستراتيجية للاقتصاد العراقي، او بمعنى اخر، قطع طريق الحرير على العراقيين وعزلهم وابعادهم عن الاندماج في هذا البرنامج العالمي للتنمية والاقتصاد.