بلاويكم نيوز

الهويريني: ورحلته نحو صوامع التقوى

0

بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..

تعرّف المتابعون على المفكر (علي الهويريني) منذ سنوات قليلة من خلال لقاءاته المتلفزة التي كان متفوقاً فيها على المُعدين والمقدمين والمخرجين، فتعلق المشاهدون بأحاديثه عن العبادات ومطالباته بالتحرر من الشكليات ذات الطابع الآلي، التي لم تترك أي أثر في حياة الناس. من قوله ان الصلاة تبدأ بعد خروجك من المسجد، وتعتمد على مدى التزامك بإقامة ما عاهدت الله عليه، ثم يضع فاصلاً بين أداء الصلاة وإقامتها، وبين الشبهات التي يقع فيها معظم المصلين، الذين ما ان يغادروا المسجد حتى يحلفوا بغير الله، ويستسلموا للجن والعين والسحر، وينساقوا وراء اهواءهم وميولهم السياسية والعشائرية والنفعية، متمردين تماماً على ما عاهدوا الله عليه في إشاعة العدل والاحسان، والدفاع عن حقوق الناس وحرياتهم، والمساواة بينهم. .
لم يكن الهويريني متطرفاً من فئة المتشددين، ولم يكن من وعاظ السلاطين، ولا يؤمن بنظريات التشرذم الطائفي، ولم ينتم إلى حزب أو ميليشيات، وليس لديه مآرب دنيوية ونفعية، ولم يتخذ من الدين سلعة وتجارة. بل كان هارباً إلى الله، باحثا عن الحقيقة المجردة، ناطقاً بالكلمة الحرة، حتى غلبت عليه الدعوة للاتجاه إلى الله و(الفناء فيه). .
لا يؤمن المفكر علي الهويريني بالمظاهر الخداعة وطقطقة المسابح، ويرفض الأعمال والطقوس والعادات التي يبرأ منها دين الإسلام نفسه. .
تحظى لقاءاته المتلفزة برواج كبير بين الناس، ولقيت استحساناً وانبهاراً من المسلمين وغير المسلمين، الذين عكفـوا على متابعة المقاطع المنشورة له على مواقع التواصل. .
ولا يعلم الناس حتى الآن ان الهويريني المولود عام 1945 لم يدرس الفقه في الازهر الشريف، وانما درس الفنون المسرحية والسينمائية في هوليود، وهو أول سعودي تخرج في جامعة كولومبيا، واشتغل في التمثيل والاخراج وهندسة البث التلفزيوني، وكانت له انتقادات مشهودة لسلوك الفنانين، وهو من أدخل الزهد والالتزام في عالم الفن والمسرح، ثم انصرف قبل وفاته في البحث عن الطرق الصحيحة التي تربط العبد بربه من دون فوضى وعنف ومغالاة ودماء أو مباهاة بفضيلة، فهاجر بروحه المطمئنة نحو الآفاق السامية، واستطاع ان يلخص فلسفة الحياة بأنها في مجملها تحمل هدفًا للإنسان نفسه، وإن الله خلقه لهدف، وحينما ينتهي هدفه في الحياة، يأخذه الله إلى مثواه الأخير. . وعن معنى الهدف، أوضح الهويريني في لقاءاته: أن الهدف يُراد به ما يرغب فيه الله من الإنسان، قد يكون الفاسق عبرة للمؤمنين، أو العكس. مؤكداً أن الله يعلم المستقبل منذ أن خلق السماوات والأرض، وأن الإنسان مخير في الذهاب إلى قدره المحتوم. .
قال عنه الكاتب عبده الأسمري: انه أخرج نزعات التحليل من عمق الشعور ليطفئ نزغات التأويل في أفق التساؤل، مبحراً في محيطات التفكر على متن ذاته التي كانت تأنس بالشعر وتستأنس بالمشاعر. .
انتقل الهويريني إلى رحمة الله عن عمر 76 عاماً، بعد أن زرع من خلاصة معايشته في هذه الحياة الكثير من الآراء الثقافية والمآثر المحمودة، وصنع لنفسه فلسفة خاصة تعبّر عن عميق المعرفة، فأثارت وفاته موجة من الحزن في عموم البلدان العربية. .
قال واحد من السلف الصالح: ((لقد قرأت سورة العصر عشرين عاماً ولم افهم معناها. كنت افكر كيف يكون الأصل في الانسان الخُسران، والله يؤكده بكل المؤكدات، ثم يستثني الناجين من الخُسران بصفات أربعة، وهي: الإيمان – والعمل الصالح – والتواصي بالحق – والتواصي بالصبر. إلى ان سمعت يوماً بائعاً للثلج ينادي على بضاعته مستعطفاً الناس، فيقول: إرحموا من يذوب رأس ماله. لأن الثلج ماءٌ متجمد، وقطرة الماء التي تسقط ان تعود مرةً أخرى، هنا فهمت ان هذا هو معنى القسم في سورة العصر، فرأس مالك في الدنيا هو عمرك، واللحظة التي تمر من عمرك لن تعود ثانية، فكل واحد منا يذوب رأس ماله. فانتبهوا لرأس مالكم، وهو الوقت الذي تحييون فيه، قبل أن يمضي بكم قطار العمر بلا عودة)). .
ربما هذا ما كان يجتهد في تفسيره الهويريني رحمه الله. .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط