هل كان صدام حسين شجاعاً أم جباناً ؟
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
لا أريد من خلال هذا المقال إهانة او تحقير أو ظلم أي شخص، بقدر ما أريد معرفة الحقيقة، وأن يعرف العراقيون والعرب هذه الحقيقة أيضاً، لقد عانيت شخصياً من الظلم والافتراء، ولا أريد أن أظلم أحداً حتى لو كان صدام حسين نفسه !
لذلك قررت ان اتوجه الى مؤيدي ( صدام) وليس لخصومه، فاتصلت بصديق (بعثي)، يعيش في احدى الدول العربية، وقد اعتزل السياسة بعد ٢٠٠٣ قلت له بعد التحية: هل كان صدام حسين شجاعاً أم جباناً ؟
قهقه بصوت عال، وقال:
أنت تعرف جوابي، فلماذا تحمل نفسك مشقة السؤال؟!
قلت: ربما كنت أعرف جوابك قبل زلزال ٢٠٠٣، لكن بعد (عار) الحفرة أظن ان تلك الصورة ستختلف عندك حتماً ؟!
قال: لا، لن تختلف قطعاً، فصدام بطل وشجاع، قبل الحفرة وبعدها.. !
قلت له: إذا كان هذا رأيك وأنت الرجل المثقف، ماذا سيكون رأي الفرد البسيط؟
فقاطعني قائلاً: هذا رأيي ورأي البعثيين جميعاً ..!!
أغلقت الهاتف.. وأنا أفكر متسائلاً : أيعقل أن يظل هؤلاء الناس مغمضي العينين الى الأبد، فلا يجرؤون على النظر الى الكم الهائل من الحقائق التي ظهرت امام العالم بعد ٢٠٠٣ ؟ وإذا كنا نعذرهم أيام كان يظهر صدام أمامهم عبر شاشات التلفاز بقامته الفارعة، وبدلته العسكرية وشاربه الكث، وبندقيته التي يطلق منها النار – متباهياً – بيد واحدة، أو حين كان يتنقل بين خنادق المعارك كالابطال التاريخيين الذين نسمع عنهم في القصص والحكايات الاسطورية.. لكننا لن نعذرهم بعد ان ظهرت لهم صورة صدام الواقعية وانكشفت أمامهم حقيقته البائسة، بعد ان أخرج من الحفرة مثل جرذ مبتل.. إن مشكلة البعثيين ومعهم ملايين العرب تكمن في عقولهم المتكلسة حول صورة واحدة، لا يحبون، ولا يقبلون ان يروا غيرها.. فهم يرفضون الاعتراف بالمتغير، او حتى الجدل بصحة الحقائق الجديدة، لأنهم ورثة منطق واحد، وصورة نمطية واحدة،
وفي عقولهم حكم مطلق، مسبق لا يقبل أي زحزحة، حتى لو تاكدوا من زيفه وكذبه أو انتهاء صلاحيته !
ثمة قصة حقيقية رواها صديق عن رئيس احدى أشهر شركات السيارات في العالم، أراد ان يختار واحداً من مهندسين اثنين وصلا للمرحلة الاخيرة من قائمة المتنافسين على شغل منصب مدير احد مصانع الشركة.. فدعاهما معاً الى مأدبة غداء، وقد ترك لهما حرية التصرف على المائدة، وراح الرئيس يراقبهما من طرف عينه، فوجد ان المهندس ( س) قد رش الملح على طبقه قبل ان يتذوقه، بينما فعل المهندس (ص) عكس زميله، حيث تناول ملعقته وتذوق الطعام اولاً، ثم رش عليه قليلاً من الملح .. وحين انتهت المادبة، اختار الرئيس، المهندس (ص) للمنصب، ولما سئل عن اسباب هذا الاختيار، اجاب : إن المهندس (س) نمطي، يحمل فكرة مسبقة عن الطعام، ولا يريد قطعاً تغييرها، او حتى أن يكلف نفسه بمحاولة التجريب.. معتقداً – ومستنداً، الى الصورة المتعود عليها، والثابتة في عقله، مفادها أن الطعام يحتاج الملح، بينما نرى المهندس (ص) فعل عكسه تماماً، فقد تذوق الطعام أولاً، ثم قرر على ضوء ذلك ان يضع عليه قليلاً من الملح، فأظهر لنا بشكل واضح، الفرق بين عقلية نمطية لا تتصور أن جديداً يحدث، وعقلية أخرى معاكسة، جاهزة للتغيير والتطوير، ومستعدة لقبوله والعمل بموجبه .. ان هذا المثال يصلح لاستخدامه في عرض الطريقة التي يفكر بها البعثيون والعرب.
ورغم ان (جبن صدام) لا يحتاج لدليل آخر بعد ما رأيناه بأعيننا يوم الحفرة.. لكني اردت المزيد حتى تاكدت من ذلك تماماً بعد أن أنهيت أمس قراءة مذكرات الرئيس الامريكي الأسبق، جورج دبل يو بوش، وقد أعجبتني صراحته وأمانته رغم أني لا أحب الحزب الجمهوري وقد لفت انتباهي ما ذكره عن اعتقال صدام، حيث يقول بوش: لقد فوجئت بالطريقة الذليلة التي استسلم بها صدام خاصة وأن (ولديه) قاتلا الجيش الأمريكي لست ساعات متواصلة قبل أن يقتلا، بينما لم يقاتل أبوهما دقيقة واحدة !! ويكمل بوش قائلاً: بعد استسلام صدام بفترة وجيزة، زارني في مكتبي بالبيت الأبيض أعضاء الفريق الذي القى القبض على صدام، وقد أخبروني ان ثلاثة أسلحة كانت بحوزته في الحفرة، لكنه لم يطلق رصاصة منها، بل كان يرتجف من الخوف مرعوباً حين وقع بين أيديهم .. وقد أهداني هذا الفريق أحد اسلحة صدام الثلاثة، وهو مسدسه الشخصي، وقد تركته لمقتنيات البيت الأبيض عند انتهاء ولايتي الرئاسية.
لم اكتف بكتاب بوش أيضاً، ولا برأي صديقي البعثي، إنما اتصلت كذلك بأحد الأدباء التونسيين، الذين تعرفت عليهم في دبي قبل سنوات، قلت له: هل ترى صدام بعد حفرة عام ٢٠٠٣ شجاعاً أم جباناً؟
قال: أراه شجاعاً بالتأكيد !
قلت: أين رأيت شجاعته؟
قال: بضربه ( لاسرائيل) تسعة وثلاثين صاروخاً، وهو امر لم يفعله احد غيره في عصرنا العربي!
قلت له: سأسالك رغم فداحة الثمن الذي دفعه شعبنا العراقي مقابل هذه الصواريخ التي لم تقتل فأراً اسرائيلياً واحداً، واقول: إذا كان فعلاً قياس البطولة لديكم هو ضرب اسرائيل بالصواريخ، فلماذا لم تمجدوا السيد حسن نصر الله، وهو الذي أطلق على اسرائيل مئات الصواريخ الحقيقية وليس تسعة وثلاثين صاروخ (خردة)، بدليل ان جيش العدو الاسرائيلي هرب من جنوب لبنان مرعوباً من جحيم تلك الصواريخ؟
وإذا كان حسن نصر الله لا يعجبكم لأسباب معروفة، فثمة بطل عربي عظيم آخر، قد أوجع (اسرائيل) بحق، وأقصد به القائد جورج حاوي، مؤسس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي ضمت فتيانا وفتيات شيوعيين وغير شيوعيين .. ومهمة هذه الجبهة التي تأسست عام ١٩٨٢ ، مقاومة الاحتلال الصهيوني بعد غزوه لبنان. وقد كان بيان تأسيس الجبهة بإمضاء القائد الشيوعي جورج حاوي..ولا يخفى على أحد، أن أبطال هذه الجبهة قاموا بعمليات شبه اعجازية ضد جيش الاحتلال، ولم يتوقفوا حتى انسحاب المحتل من لبنان عام ٢٠٠٠ ، لذلك لم تنس اسرائيل حقدها على جورج حاوي، حتى تمكنت من اغتياله عام ٢٠٠٥ بعد أن فجرت سيارته بجهاز عن بعد، فبكاه شعب لبنان برمته، حتى وصف يوم تشييع جثمانه بالعرس اللبناني، حيث شارك في موكبه عشرات الآلاف، وكانت الاعلام الشيوعية الحمر، واغاني مارسيل خليفة ترافق التشييع من البداية حتى النهاية، ولم يتخلف أحد عن المشاركة فيه سواء شخصيات لبنان الوطنية، أو قادة الثورة الفلسطينية.. إن المقاومة اللبنانية الباسلة التي كان البطل الشيوعي مهدي مكاوي أول شهيد فيها، والشهيد هادي نجل السيد حسن نصر الله مع كوكبة من أبطال حزب الله آخرها، تستحق التمجيد والتغني باسمائها كل صباح مدرسي جديد..
وأخيراً، قلت للتونسي: لمَ لم تمجدوا هؤلاء الأبطال الذين اوجعوا اسرائيل فعلاً، بينما تتغنون بجرذ أخرجه الجنود الأمريكيون مرعوباً من حفرة حقيرة؟!
إنها فعلاً مشكلة مرضية خطيرة تصيب المجتمع العربي في صميمه، لهذا يحتاج الأمر الى البحث والدراسة والعلاج أيضاً .. إن هذه الامة (المريضة) تهب البطولة لشخص لا يخطو خطوة واحدة دون حمايته الشخصية التي تضم فرقاً للحرس الجمهوري والخاص وأسلحة حربية وطائرات ومعدات تكفي لتحرير القدس والجولان.