خبراء داخل اقفاص التهميش
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
من مفارقات العملية السياسية في العراق انها التهمت الاختصاصات العلمية والمهارية وصادرتها كلها، وبات السياسيون هم الذين يتحدثون باسهاب في كل المواضيع. في الطب والزراعة والصناعة والتعليم وتنس الطاولة والوجبات السريعة والباباغنوج والحمص بطحينة، ناهيك عن تصريحاتهم المتخبطة هذه الأيام عن تحركات السفن، والملاحة في المياه الضحلة والقنوات الضيقة، وعمليات الإرساء والاقلاع، والشحن والتفريغ، وتسفين القوارب وصيانتها. ومنهم من غاص في أعماق البحار والمحيطات وراح يسبر أغوارها السحيقة. سمعت احدهم يتحدث عن التاريخ الجيولوجي لدلتا شط العرب. وآخر يشرح نظرية المربعات الصغرى في الرياضيات. حتى تصدرت أحاديثهم واجهات الصحف، وعناوين الفضائيات، ونشرات منصات التواصل. لكنها لم تخل بطبيعة الحال من التضليل والاخطاء والمغالطات. لأن العلماء النواب لم يشركوا معهم ذوي الاختصاص، ولم يستعينوا بأصحاب الخبرات المتراكمة في هذا المضمار. وقديما قالوا: أعط الخبز إلى خبازته حتى لو أكلت نصفه. فأهل مكة أدرى بشعابها. .
ثم تكررت حواراتهم المتلفزة أمام اعيننا من دون أن يُفسح لخبرائنا المجال لتوعية المشاهدين وتصحيح معلوماتهم المشوشة، فقد ظل الخبراء قابعون في مواقعهم المُستبعدة، وغير مسموح لهم بالبوح بما يحملونه من أفكار غنية بالمعلومات الدقيقة. .
بات المتحدثون عن خور عبدالله في امس الحاجة إلى الاستئناس بمواهب الخبراء الذين افنوا أعمارهم في هذه المجالات المتشعبة. .
من هنا جاء مقترحنا بتوفير رحلة بحرية تنطلق من ميناء ام قصر في جولة ميدانية يتولى فيها الخبراء الحقيقيون القيام بمهام الشرح والتوضيح والاجابة على التساؤلات والاستفسارات. .
لدينا مئات الخبراء القابعون وراء الكواليس أو المهمشون في المنافي البعيدة، وجميعهم يتابعون التصريحات واللقاءات والحوارات ويرون الاخطاء ويرصدون الهفوات، ولا رأي لمن لا يُطاع. حيث يتعذر عليهم تصحيحها، فيتألمون ويتحسرون من دون ان تُتاح لهم الفرصة للتعبير عن مواقفهم أو تقديم مقترحاتهم في المحاور الوطنية التي تصب في مصلحة العراق في الحاضر والمستقبل. .