عقدة النقص ولحظة سقوط القناع
بقلم: أ.د رحيم حلو علي ..
تسمى لحظة اسقاط القناع في علم النفس بلحظة الإسناد الذهني وهي لحظة الانعطاف والانكسار الحقيقي للقيم ، وهذه اللحظة لا تأتي الا بعد بذل جهود كبيرة ومتقدمة من قبل الشخص وبعد استخدام العديد من الاستراتيجيات النفسية والذهنية وبناء القناعات التامة والاعتراف بقدراته ومهاراته الذاتية وانكار اخفاقاته وضعفه من منطلق المسايرة الاجتماعية، فهو يعتبر نفسه مثالاً سوياً ناجحاً قياساً بأقرانه وأصحابه، ولكن حينما يسقط القناع وتنكشف الحقيقة، ترى وجوها عليها غبرة، ترهقها قترة، تحاول أن تتغلغل بين أفراد المجتمع بصورتها السيئة و يصعب العيش معهم، وكيف يمكن أن يكون التآلف والوداد مع إنسان كنت تظن أنه الدواء الشافي لجرحك، وصرحك العالي في بنيانك، وحلمك الوردي لأملك، وإذا به يهوى أمامك وتنكشف حقيقته عند سقوط قناعه المختبئ خلفه.
لذا نجده في حيرة عمياء وصراع عميق وتخبط عشوائي واسع حيث تنتابهُ نزعتان:-
النزعة الاولى:هي الظهور بمظهر الشخص الطبيعي الذي لا يحمل معاناة في داخله حيث يرفض بأن يقال عنه بأنه مريض أو مضطرب عقلياً.
النزعة الثانية: هي الرغبة في التخلص من صراعه الداخلي، فهو في الواقع شخصية اشكالية بعيدة عن الانتاج الذهني او التكيف المزاجي السوي والسبب في ذلك إنكاره لأخطائه المتكررة، فنراه يتجنب النقد الذاتي البناء حيث يرفض رفضاً قاطعاً تسوية مشكلاته لأنه لا يعترف بها اصلاً. ونلاحظ ان سلوكه الذي يمارسه تجاه ذاته ينتج من خلال ضغوطات النقص الشعورية التي تكونت في مزاجه وتم تعميمها بشكل كبير وتوليد قوة مضادة تسمى(مشاعر العكس الانفعالي) تعمل على مقاومة ضغوطات النقص وانكارها والظهور بشكل سوي امام ذاته وأمام الآخرين وهذه الحالة توصف بأنها صراعية بين واقع الذات ودائرة الطموح .فيلجأ الشخص الى سلوك رفض الاعتراف بواقع عقد النقص الشعورية التي يعاني منها، فتجده متردداً خائفاً غير متكيف مما يعكس ذلك على نمط الشخصية وعلى محدداتها ومساراتها وانبعاثاتها.فالمواقف هي وحدها من تكشف الأقنعة، والتعامل هو من يكشف لك الحقيقة، فمن رام معرفة صدق الوجوه فليتأمل في المواقف، وليتأمل أصحابها، سترى حقيقة الوجوه عند حاجتك، وفي مصيبتك، وفي مصلحة صاحبك، فبعضهم من يقدم مصلحته على صحبتك، وبعضهم من يتخلى عنك وأنت في أمسّ الحاجة إليه…