َ وماذا بعد ..
بقلم: رافع عبد الجبار القبطان ..
لا يختلف اثنان ان طوفان الأقصى قد أعاد القضية الفلسطينية للواجهة من جديد بعد أن كادت تُطمس، خاصة بعد سياسة التطبيع التي اتبعتها اسرائيل مع بعض الدول العربية كالأمارات والبحرين والمغرب، وعلى الأعتاب كان التطبيع السعودي الإسرائيلي الذي لو كُتب له التحقيق لكنا أمام خارطة سياسية جديدة للمنطقة.
جاء طوفان الأقصى ليكشف للمجتمع الدولي وللدول العربية بالذات ان إسرائيل دولة واهنة وهمية لا تمتلك مقومات الدولة، وان منظومتها العسكرية والاستخباراتية بما فيها القبة الحديدية ما هي إلا وهم لا يحمي هذا الكيان الذي أُسس على حساب احتلال دولة أخرى هي فلسطين، فكان طوفان الأقصى هو الذي كشف هذه الحقيقة فصار المجتمع الدولي أمام حرج.
ان هذا العمل العسكري الذي قامت به حركة حماس، والذي فاجأ وأذهل الجميع جعلت ردود الأفعال متباينة وغير مدروسة، لهذا جاءت مرتبكة بين داعم ورافض ومتفرج، فجاء رد الفعل العربي متباينًا مرتبكًا وغير متفق عليه، ولم يكن حتى يومنا هذا بمستوى الطموح، وكأن القضية الفلسطينية باتت لا تعنيهم، أما رد الفعل الإسلامي فلم يتجاوز رد الفعل العربي من حيث السلبية، بما فيها ايران الذي مما لا شك فيه انها داعمة لحماس معنويًا ولوجستيًا، ولكنها آثرت إلا أن تأخذ موقف حيادي رسمي على الأقل، وهذا ما رغبته أمريكا خوفًا من توسع دائرة المواجهة، ولهذا جاءت تصريحاتها وعلى لسان الرئيس الأمريكي نفسه باتجاه تحييد ايران.
أما الموقف الدولي فكان واضحًا، الغربي منه جاء داعمًا لإسرائيل صرحت عنه علنًا امريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وغيرها من دول الناتو، حتى وصل لدعم إسرائيل عسكريًا مع زيارات مكوكية لرؤساء هذه الدول مثل الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني، في حين في الجانب الآخر من الموقف الدولي مثل روسيا والصين لم يكن لهم موقف واضح داعم لفلسطين بما عليه هم من كونهم أعضاء دائميين في مجلس الأمن، إلا ان الملفت للنظر ان رد فعل الرأي العام الدولي وبالذات الغربي، ومنهم سياسيين وبرلمانيين جاء مؤيدًا للشعب الفلسطيني ورافضًا للوحشية التي يقوم بها الكيان الصهيوني من عمل عسكري كان ضحيته آلاف النساء والأطفال بين استشهاد وتهجير، الذي أجبر أكثر من مليون فلسطيني في شمال غزة على الهجرة باتجاه جنوب غزة تاركين ديارهم وعملهم، ولا زالت التظاهرات تجوب دول أوروبا مطالبة حكوماتها بإيجاد حل للقضية الفلسطينية وايقاف حملة الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
جاءت قمة السعودية القمة العربية الإسلامية، وهي تحدث لأول مرة أن تجتمع القمة العربية والقمة الإسلامية في مؤتمر واحد، فجاء البيان محبك الصياغة كأنه معد سلفًا تجد فيه نفس أمريكي، جاء ليكون امتدادًا لمقررات قمة فاس ١٩٨٢ وقمة بيروت ٢٠٠٢ في طرح حل الدولتين، وأن تكون فلسطين دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧، وتأييدًا لقرارات مجلس الأمن رقم ٢٤٢ لسنة ١٩٦٧، و٣٣٨ لسنة ١٩٧٣، ما نص عليه بيان القمة نفسه، وهذا ما يتوافق مع الموقف الأمريكي والإدارة الحالية في حل الدولتين، مع ملاحظة رفض اسرائيل لهذا الطرح الذي عبر عنه بعد قمة فاس أحد المسؤولين بالقول ان حل الدولتين هو بداية النهاية لإسرائيل.
إلا ان اكتفاء قمة السعودية بما جاء به هذا البيان كأن العرب والمسلمين قد قالوا قولتهم، وعلى غزة أن تواجه مصيرها لوحدها، وهذا ما خذل غزة التي كانت تنتظر موقف ايجابي أكثر داعم لهم، وفي ايقاف هذه الوحشية التي يقوم بها الكيان الصهيوني يوميًا من قتل تهجير.
كما ان من أهم القرارات التي جاءت به قمة السعودية والتي يجب مناقشتها بموضوعية وعمق، هو تأكيدها على ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وعلى باقي الفصائل التوحد تحت ظلها، والمقصد هنا هي حركة حماس والجهاد الإسلامي اللذان هما في تقاطع مع السلطة الفلسطينية ومع الرئيس محمود عباس، وكأن القرار يشير الى انهاء سلطة حماس على قطاع غزة وتسليمها للسلطة الفلسطينية -وهو ما يتم الحديث عنه هذه الأيام-، وهذا ما لا ترضاه حركة حماس والجهاد الإسلامي (وكأنك يا أبو زيد ما غزيت).
كما ان قمة السعودية لم تضع آلية لتطبيق هذه المقررات بما فيها الدعوة الى عقد مؤتمر دولي للسلام.
رغم ذلك البيان يحمل ابجابيات منها إشارته الى ان عدم ايجاد حل للقضية الفلسطينية على مدار ٧٥ عام هو السبب الرئيسي فيما وصل اليه الوضع من تدهور، مما يتوجب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته من باب حفظ السلم والأمن الدولي في ايجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية.
بعد كل هذا من حقنا أن نتسائل، ماذا أرادت حماس من طوفان الأقصى، حيث ان المتعارف عليه ان لكل عمل هدف، نعم قد يقول قائل ان طوفان الأقصى قد أعاد القضية الفلسطينية للواجهة من جديد بعد أن كادت أن تُطمس بعد التطبيع العربي الإسرائيلي، نعم هذا ما قلناه في مقالة سابقة، وهي تُحسب لحماس ومن وقف معها، ولكن ماذا بعد أن تصدّرت القضية الفلسطينية الواجهة الدولية ونالت الاهتمام العالمي، وانها فرضت نفسها بأنها القضية الأولى في حفظ السلم والأمن الدولي لما للمنطقة من موقع جيوسياسي دولي مهم، ماذا بعد ذلك، وماذا أرادت حماس من بًعد استراتيجي له.
هل كان هدفها تحرير فلسطين ؟
أم أرادت حل الدولتين ؟
أم أرادت شيء آخر ؟؟
لذا حماس اليوم مطالبة بأن تعلن عن هدفها ومطاليبها للمجتمع الدولي، حيث كان عدم وجود تمثيل لها في قمة السعودية خلل واضح.