البدري و الدباغ وخيرية .. رموز عراقية
بقلم: فراس الغضبان الحمداني ..
تفتخر كل القنوات الفضائية وحتى الأرضية في العالم بأنها تمتلك تقاليد وبرامج مثيرة للإهتمام تعمر طويلاً ولها عشاق من كل فئات المجتمع مما يؤشر نجاحاً باهراً لتلك الوسائل الإجتماعية التي تحرص على إدارة هذه البرامج وعدم النظر مما تلقتها من مبالغ لأن الرصيد المهم هو حجم الجمهور .
وربما يفسر البعض إن هذا النجاح يقتصر على القنوات الكبرى وخاصة الأوربية التي إحتفظت برامجها بشهرة دولية حيث تجاوز جمهورها مئات الملايين موزعين على مختلف القارات وكان لهذه البرامج الصدى في الفضائيات العربية التي حاولت إقتباس أفكاررها وتعريبها على الرغم أنها مستنسخة فقد لاقت أيضاً نجاحاً مثل برامج المسابقات ومن يربح المليون وستار أكاديمي وبرامج تليماج وغيرها .
وإزاء هذه الظاهرة الإعلامية العالمية لابد وأن نتوقف أمام حقائق أخرى قد نختلف مع الذين يتصورون بأن صناعة نجومية البرامج هي صناعة غربية فقط وتحتاج لمئات الملايين من الدولارات وقدرات تقنية عالية ومعدين ومقدمين ومقدمات من الطراز الأول وفسحة كبيرة من الحرية وسرعة الحركة وتتمثل هذه الحقائق بوجود عنصر مهم قد يكون السبب المباشر في شهرة برنامج ما يقدم بإمكانيات مادية متواضعة وتقنيات إعتيادية ولعل السر الكامن وراء ذلك يتمثل في شخصية المعد والمقدم وقدرتهما على ملاحقة الحدث وصياغته بأسلوب سهل وبسيط يتلقاه المشاهد بعفوية وإنسيابية مما يخلق مع الأيام ألفة وصداقة ما بين المتلقي والمرسل تتحول مع السنوات إلى عملية إدمان جميلة في متابعة تلك البرامج .
ولعل إستعراض مسيرة التلفزيونات العربية وعلى مدى نصف قرن سيؤكد لنا هذه الحقيقة لأن الجمهور مازال يتذكر حتى الآن وبإعجاب برامج مختلفة فنية ورياضية وثقافية وحتى سياسية أيضاً كانت تبثها الإذاعات العربية أو الموجهة باللغة العربية مثل BBC ومونتي كارلو ومحطات تلفزيونية عربية صنعت نجوماً عجزت السينما من إبرازهم بهذا المستوى الشعبي .
وعلى صعيدنا المحلي العراقي كلنا يتذكر سلسلة ذهبية من البرامج المتخصصة الناجحة ولعل في مقدمتها برنامج ( الرياضة في أسبوع ) للراحل مؤيد ألبدري والذي كان يقدم أسبوعياً كل ثلاثاء وبطريقة جذابة تجعل شوارعنا في تلك الساعة خالية من المارة لأن الجميع خاصة الشباب بل حتى الفئات الأكبر عمراً وربات البيوت وجداتنا يتابعن بدقة مؤيد ألبدري وتعليقاته الحماسية المعبرة عن الروح الوطنية التي تحرك مشاعر الجميع لصدقها وبراعتها في إختيار الكلمة ولحظة الإنفعال .
والشخصية الأخرى التي إستطاعت أن تبسط علوم الرياضيات والفيزياء والفلك والفضاء وكل العلوم الطبيعية الصعبة وتجعلها في متناول البسطاء من أبناء الشعب فهو الراحل كامل الدباغ وبرنامجه الشهير ( العلم للجميع ) كل أربعاء فقد إستطاع عملياً أن يجعل العلم مادة يتحاور فيها الجميع ، وكانت لهذا الرجل طريقة خاصة في عرض الأفكار والمعلومات لتصل إلى أذهان الناس بمحبة وقبول وليس بنفور كما يحدث الآن في مدارسنا وجامعاتنا التي لا يجيد أغلب أساتذتنا إيصال المعلومة لطالبيها بسهولة ويسر مثل ما كان يفعل كامل الدباغ .
ونجح الثنائي المذيعة خيرية حبيب والراحل خالد ناجي من جمع الأسرة العراقية وشدهم إلى عالم الفن والغناء بدون إبتذال وإسفاف بل من خلق علامة إيجابية ما بين الفن والمجتمع وكانت المقدمة تطل علينا من خلال برنامج عدسة الفن كل خميس بوجهها الصبوح ورقتها في الحديث وهي تحاور ضيفاً أو تقرأ آخر أخبار الفنون .
لعل هذه البرامج كانت تشكل ظاهرة ناجحة وسجلت بأحرف من ذهب في تاريخ التلفزيون العراقي وشكل غيابها فراغاً كبيراً لدى الجمهور حيث لم تستطع كل الكفاءات وأعلى التقنيات من التعويض والوصول إلى مستوى تلك البرامج الغائبة التي لا يمكن أن تنسى أو تمحى من الذاكرة العراقية .
إذن ما علينا الآن ونحن ندخل في الربع الأول من الألفية الثالثة إلا أن نبحث عن سر النجاح في تلك البرامج عسى أن نستطيع خلق شبيهاً لها أو بديلاً عنها .
Fialhmdany19572021@gmail.com