بلاويكم نيوز

ما بين المطرقة الأمريكية والسندان الإسرائيلي.. غزة تحتضر

0

بقلم : أ.م.د. حامد العلي باحث متخصص في الشأن الإسرائيلي ..

لم تكن فكرة تهجير الفلسطينيين وليدة العهد الراهن, وإنما ولدت قبل ولادة الكيان الصهيوني, فقد كشفت وثيقة لوزارة الخارجية الأمريكية منذ العام 1943م، بأنَّ المنظمة الصهيونية في فلسطين هي دولة ذات سيادة، والتي ستعانق فلسطين، وسيتم في نهاية المطاف نقل العرب من فلسطين إلى الأردن والعراق. ومع قِدم تلك الأفكار إلا أنها ظلت طي الكتمان ولم تُقدِم أي حكومة على التصريح بها علانية. لكن التحولات في الخطاب الرسمي الأمريكي اليوم جعل الحكومة الإسرائيلية أكثر جرأة بتنفيذها, فبعد نجاح خطة الجنرالات التي أسهمت في تهجير سكان شمال غزة وتحويله الى منطقة عسكرية عازلة, بدأت مسألة الضم تدخل مجال السياسة المعلنة لإسرائيل.
وتجسيداً للدعم اللامحدود الذي أبدته ادارة الرئيس ترامب الجديدة, صرح مايك هاكابي (السفير الأمريكي الجديد لإسرائيل) بأن العام 2025م سيكون عام السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وغزة, وأن تلك الأراضي سيتم الاستيلاء عليها بدعم الإدارة الأمريكية. لتعطي بذلك الضوء الأخضر لإسرائيل في الشروع بتنفيذ خطتها المتعلقة بالضم والاستيلاء.
وقد توافق المشروع الإسرائيلي مع أطماع ترامب في غزة, والتي كشف عنها خلال لقائه نتنياهو في الرابع من فبراير الجاري, واقتراحه تهجير سكانها وسيطرة أمريكية طويلة الأمد عليها تمهيداً لإعلان السيادة الإسرائيلية على كامل أرض فلسطين. ولم يكتفي بتلك التصريحات, وانما تبعها اليوم ليعلن التزامه بشراء وامتلاك غزة, واعداً بدراسة كل المقترحات المقدمة حول اختيار دول أخرى لاستقبال الفلسطينيين في حال استمرار الرفض المصري والأردني.
وهنا ربما تعود الإدارة الأمريكية الى التفكير في العراق, الذي تشير أغلب التقارير بأنَّه سيشكل هدفاً رئيساً للمخططات الصهيونية الرامية الى محاولات تهجير الفلسطينيين اليه, والتي تقتضي حسب تفكيرهم الى وجود غطاء أمني ونفوذ أمريكي مباشر، وهذا ما أوضحه كيسنجر منذ التحضير لقيادة الحملة الأمريكية على العراق في العام 2002م, بأنَّ من جملة أهداف الحرب هي استبدال نظام الحكم بنظام يسهم في توطين اللاجئين الفلسطينيين فيه، وإعادة رسم حدود الشرق الأوسط بما يحقق أمن إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية. لكن تلك الأهداف باءت بالفشل, لكون الحكومات المتعاقبة في العراق كانت أكثر تأييداً للقضية الفلسطينية وأشد صلابة في مواجهة ما تخطط له إسرائيل. وهذا ما يفسر التوجهات العدائية لإدارة ترامب ضد العراق.
الفلسطينيون مقبلون على سنين عجاف, لاسيما بعد قرار ترامب رفع الحظر عن تزويد إسرائيل بقنابل ثقيلة, والذي تزامن مع توقعاته بعدم صمود الهدنة واحتمالية تجدد المعارك بعد تحرير الرهائن, والتي إن حصلت فستكون هذه المرة بتدخل مباشر من قبل الإدارة الأمريكية, ولا يستبعد فيها استخدام سياسة الأرض المحروقة تمهيداً لفرض الهجرة الالزامية.
وبعد عجز الأمم المتحدة عن تحقيق اهدافها في حفظ السلم والأمن الدوليين, أصبح العرب أمام مفترق طرق, إما “لا شيء اسمه فلسطين” وتداعياته في رسم خارطة جديدة تشمل المنطقة بأسرها, وإما موقف عربي واسلامي موحد من خلال الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لدعم صرخة (لا) التي اطلقتها مصر, لتكون بذلك الصخرة التي تتحطم عليها آمال ترامب في تحقيق مشروعه, لاسيما وأننا مازلنا نمتلك سلاح المقاطعة الذي يبقي إسرائيل جسماً غريباً ويحول دون تنفيذ مخططاتها في المنطقة, ويقضي على احلامها في تحقيق التطبيع الذي يحتل في السياسة الإسرائيلية محل القلب من الجسد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط