من تغطّى بأمريكا… عُريان!
بقلم: المهندس علي جبار الفريجي – مختص بإدارة الأزمات ..

في عرف السياسة الواقعية، لا دفء دائم ولا غطاء يقيك المطر إن لم يكن نسيجه من صنع يديك. أما الغطاء الأميركي الذي يُروَّج له على أنه حامٍ للحلفاء وضامنٌ للاستقرار، فسرعان ما ينكشف عن وهمٍ من قماش الخديعة، لا يصمد أمام عواصف المصالح، ولا يمنع طعنات الخيانة. وقد صدق من قال: “من تغطّى بأمريكا… عُريان”.
محمد رضا بهلوي، شاه إيران، كان تلميذ واشنطن المدلل. أنفقت عليه الولايات المتحدة المليارات وسلّحته ليكون حاجزا أمام “الخطر السوفييتي”، لكنها حين تصاعدت الثورة عام 1979، اختفت بوارجها من الخليج، وسُحب الدعم فجأة، وتُرك الرجل يتوسل اللجوء من منفى إلى منفى، حتى مات غريبا عن تراب وطنه، بعدما اكتشف أن الغطاء الأميركي لم يكن سوى فخ ناعم النسيج. وعلى ذات النهج، لم يكن حسني مبارك أحسن حالاً، رغم ثلاثين عاما من الخدمة السياسية والاستراتيجية لصالح واشنطن. ففي لحظة واحدة، ظهر مبارك على شاشات الإعلام الأمريكي كمستبدّ يجب إسقاطه، وتحوّل من حليف استراتيجي إلى عبءٍ سياسي، فكان مصيره السقوط والتخلي، وكأن تلك العقود من التحالف لم تكن.
أما الأكراد في العراق وسوريا، فقد وضعوا قلبهم في يد واشنطن، وقاتلوا داعش بشراسة بدعم وتسليح ومعلومات أمريكية، لكن عام 2019 جاء القرار القاتل. بمكالمة هاتفية واحدة، سحبت أمريكا جنودها من الشمال السوري، ومهّدت الطريق للمدافع التركية لتسحق من كانوا بالأمس حلفاءها. تحالف اختصرته عبارة “غرين لايت” من ترامب، لم يراعِ تضحية، ولم يُجامل دما . في أفغانستان، دخلت أمريكا باسم إسقاط الإرهاب، وأسست حكومات تعتمد على الأموال الأمريكية لا على شرعية الداخل. ومع أول قرار انسحاب، انهار كل شيء خلال ساعات، لا أيام. فرّت النخب، وتبخر مشروع الحداثة المصطنعة، وعادت طالبان تمشي بثقة في قصور كابول، وكأن عقدين من الدعم الأميركي لم يتركا أثرا يُذكر.
وفي العراق، من المؤلم أن نرى النخبة السياسية تكرر ذات الحماقات دون أن تتعلم من تجارب غيرها. فمن يربط مصير وطنه بإرادة واشنطن لا يختلف كثيرا عن من ينام في الصحراء معتقدا أن ضوء القمر غطاء دافئ. النظام السياسي الذي تأسس بعد 2003 ظل هشًا، يقوم على عكازات السفارة الأمريكية نهارا ويتخبط في التبعية لإيران ليلا . ولكن أمريكا، كما تخلت عن الشاه ومبارك وغني، لن تتردد لحظة واحدة في التخلي عن العراق متى اقتضت مصلحتها. وها نحن نرى اليوم من يدّعي الشراكة مع واشنطن، يستخدم غطاءها لتصفية شعبه، ويقمع المكونات الأضعف باسم السيادة، فيما تراقب الولايات المتحدة من بعيد بصمت المصالح، لا بصوت الأخلاق.
الذي يراهن على أمريكا وحدها، كمن يستظل بسقف من دخان، أو يستتر بعُريٍ مغلفٍ بالوهم. “من تغطى بأمريكا عريان” ليست مجرد مقولة شعبية، بل توصيف دقيق للعبة السياسة الدولية. أمريكا لا تحب، بل تحسب. لا تساند، بل تساوم. لا تحمي، بل تستثمر. فابن وطنك، يا من توهمت القوة في ظل العم سام، لن يحميك إلا شعبك، ولن يصون سيادتك إلا مشروعك الوطني، لا غرفة عمليات في واشنطن ولا رسائل شكر من البنتاغون