دَورُ المرجعية في صناعة حاضر ومستقبل العراق
بقلم : قاسم الكفائي ..
في مايس من عام 2012 حزمتُ حقائبي الى العراق وهي المرة الأولى التي أزورُ بها بلدي بعد انقطاع دام 24 عاما تقريبا. تشرفتُ خلال زياتي بالإمام والمرجع السيد على السيستاني في داره بالنجف الأشرف. الذي رتَّب هذا اللقاء مشكورا هو الشيخ بشير مدير مكتبه، فلولاه لما تحقق هذا الأمر الذي أُحسَدُ عليه (كنتُ محظوظا) الى حدٍّ بعيد، فما كان يتحقق بسهولة لعموم السياسيين والحكومة وهم يتمَنَوه. دخلتُ على السيد وكان جالسا على كرسيّه يعلم بزيارتي له بواسطة مدير مكتبه، بينما كاتبه جالسا الى جواره وبيده قلما وقرطاسا، وكانَ واقفا أمامي بأدب ولياقة شابٌ بصفة حماية. رحَّب بي سماحتهُ، وسألني عن أحوالي في كندا فشكرتُ اللهَ على نعمته وجزيل إحسانه. أخذ السيد يسرد عليَّ توجيهاتِه في الأخلاق والتربية وكيف للمؤمن أن يتحصن من الإنزلاق. هذه التوجيهات كلفتني عشرة دقائق وحسبتها عشرة سنين في حساباتي، فما كنتُ أمتلك الشجاعة على مقاطعته، أو تصحيح مسار حديثه بينما سماحته مسترسلا لا يعلم ما هاج بي وأحرق أحشائي. زيارتي للعراق وعودتي الى كندا كلفتني الكثير دون أن أحقق ولو جزءً مما أطمحُ اليه. فغرضي من الزيارة بعد التشرف بسماحته هو أن أطرحَ عليه رؤيتي ومشروعي بخصوص الشأن الأمني وأن يسمع مني بعضَ أهم النقاط التي أحاول إيصالها ليحيلني بعدها الى وزارة الداخلية، أما العموميات بالأخلاق فهي رائعة عندما أكون متفرغا لسماعها. الخطأ الذي حصل يقع على عاتق مكتبه الذي لا يُتقن تدبير مراسم الزيارات أن يَسأل الزائر عن أهم المقاصد من زيارة المرجع. خرجتُ من السيد لضيق الوقت وفي جعبتي توصيات أخلاقية أما مشروعي الذي أحمله فقد تبخر ولم يعُد له قيمة على الواقع. ما قبل زيارتي لسماحة المرجع الكبير حاولتُ أوَّلَ مرّة لقاء الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية عدنان الأسدي -أبو حسنين- لكن تحقيق هذه المهمة كلفني مجهودا كبيرا في وضعٍ مُنفلت تماما آنذاك بحيث صرتُ قريبا من مكتبه في محيط – سيد حمدالله – ببغداد وما استطعتُ الوصول اليه حتى جزعتُ وتوقفَت محاولاتي ( في زيارتي كوبنهاكن عرفتُ باليقين المطلق وانا المسؤول عن هذه المعلومة أن عدنان الأسدي كان يبيع الخضار في كوبنهاكن ويمتلك بقالية إشتراها منه صديقي الذي يسكن هناك بعد سقوط نظام صدام حسين بغرض السفر الى العراق، وقد توفي الأسدي بسبب مضاعفات فيروس كورونا ليلقى ربه وفي جيبه مئات ملايين الدولارات وبذمته دماء مئات آلاف الأبرياء الذين قضوا بسبب جهله المفرط في علوم الأمن دون اكتراث). بعده حاولتُ اللقاء بالسيد مصطفى الكاظمي قبل تسنمه موقع رئيس المخابرات واتصلت به على هاتفه الخاص فاتفقنا على موعد ولم يتحقق اللقاء (في مقالات قادمة سأذكر التفاصيل). فلقائي بالسيد السيستاني -دام ظله- قد يكون مستحيلا على انفراد لكنه تحقق لخلو داره من الشياطين واللصوص على الرغم من قِدم جدرانِها وسقوفها وأرضيتها، وقد لا تصلُح للسكنى لمن يتمنى العيش الأفضل، فهي ُتعود ملكيتها السيد جواد شبَّر رحمه الله تعالى، وهو من الخيرين على مستوى أهل النجف الكرام. كنتُ قبل زيارتي للعراق التقي على الدوام بالسيد (نجل جواد شبر الذي زرتهُ في إحدى الوزارات بموقع مرموق كما عهدته آنذاك). حدّثني أكثرَ من مرةٍ في المغترب الكندي عن بيت والده وكيف يدفع السيد له إيجارا شهريا بانتظام. بعد كل ما تقدّم أستخلصُ أهميةَ دور المرجعية في تصحيح مسار العملية السياسية في العراق عندما تكون قادرة على استيعاب هموم البلاد والمواطنين وتعتمد المخلصين المستقلين الذين لا ينتمون لخزعبلات الأحزاب، من أهل العلم الأكاديمي (نخبة) ذوي الإختصاصات المختلفة والمهنية العالية أمثال (عامر عبد الجبار إسماعيل الذي هو قادر كذلك على تبوِّء منصب رئاسة الوزراء بجدارة عالية ) فتجمعهم معا بلقاءات دورية بوزراء الحكومة لمناقشة جميع القضايا التي تهتم بتصحيح المغلوط في عمل جميع المؤسسات الحكومية برعايتها الدائمة، ومؤسسة المخابرات لها دور عظيم وكبير لا يمكن كشفه. أما التوصيات المثالية لمؤسسات الحكومة بعبارة ( إتقوا الله) التي يُطلقها ويرددها خطيب الجمعة في الصحن الحسيني الشريف بكربلاء المقدسة كل يوم جمعة من كل أسبوع فلن تجدي نفعا على الإطلاق بل هي وسيلة مُضافة دون قصد لتدمير العراق وقد ساهمت الى حدٍّ كبير. آمل أن تخرج المرجعية عن عبائتها التقليدية وقد يتضرر الجميع بعد الدمار الشامل الذي سيلحق بالعراق فيما لو تخلفت عن أداء مهامها بعد معرفة وتشخيص هذا الدور الذي فيه حياة ُ البلاد والعباد. كنتُ ومنذ أكثر من عقدين وما زلت أتمنى أن تعي المرجعية حقيقة هذا الدور بالنزول الى الشارع لمواجهة الواقع بعيدا عن المثالية والعرفانيات التي لا طائل منها في ظروف تتحَكم بها الشياطينُ واللصوصُ والفاسدون، كذلك ليس من ضيرٍ على بيت المرجعية أن تسمع من أبنائها المهنيين، العارفين بالشأن الأمني الذي هو كفيل بتصحيح كل المسارات المغلوطة. هذه إشارة أطلقُها عسى أن تجد من يراها أو يسمعها، فأنا شخصيا حاضر لتلبية النداء وستجدني في الموقع الذي تراه مناسبا، وياليتني أحظى بخدمة وطني وشعبي.قاسم محمد الكفائي/ كندا twitter…@QasimM1958