ذكرى محاولة إختطافي في كراجي
بقلم: قاسم محمد الكفائي ..
المقدمة:
” خاص بشبكة أنباء العراق الإعلامية “
في وقتٍ سابقٍ من عام 2006 كنتُ قد كتبت مقالةً بخصوص محاولة إختطافي هذه ضمن سلسلة (عالم المخابرات)، ثم لحقتها عام 2021 بمقالة أخرى بثلاثة حلقاتِ من (دروبُ الموت) نشرَتها مواقعُ عراقية، خصَّصتُ فيها الحديثَ عن محاولة إختطافي هذه، غير أني وكأمرٍ طبيعي عجزتُ عن نقل الواقعة كما هي لضيق المساحة، بينما الوقائع تستحق سردا مفصَّلا في كتابٍ ضخمٍ يليقُ بالحَدَث. إن مضمون هذه المقالة أضعها (ملفا خطيرا) بين يدي معالي وزير الداخلية عبد الأمير الشمري المحترم، مشفوعةً بطلبي للقاء به في بغداد كي يتسنى تسليمه كامل الملف، وأسماءَ العناصر المجرمة التي ساهمَت بمحاولة إختطافي. كذلك ملف إختطاف وذبح المعارضَين لنظام صدام، العراقيَين سامي عبد المهدي ونعمة مهدي محمد في أحد بساتين منطقة (كلفتن ) بكراجي عام 1987، ثم ملف إختطاف وقتل اللاجىء العراقي سعيد زامل صادق (سمير) في مدينة إسلام آباد عام 1990، إضافة الى ملفات أخرى يجب فتحها، تورط بها مجرمون من عملاء مخابرات قنصلية نظام صدام حسين في دولة الباكستان، منها إختفاء اللاجىء محمد عبد الله (عبد رشوه) في كراجي. وإني على يقين أن بعضَ المجرمين في هذه الملفات يتقاضون الآن حقوقا، وينعمون بالأمن وغفلة الدولة العراقية. عهدٌ أخطهُ هنا وحقيبة السفر بيدي بالحضور الى بغداد دون تردّد في كل ما سأطرحه وبقوة وعلى مسؤوليتي، ولم أغادرها، أو أطلب الشفاعة لو قصّرتُ بعدم إثبات الحقيقة. الملاحظة الأهم التي لا تفارق مهنية معالي الوزير هو أن بناء المؤسسة الأمنية لن يتكامل إلا بتظافر الجهود، ومتابعة كلّ الأحداث التي تراها مناسبة……إنتهت.
في شهر نوفمبر من عام 1989 (في مثل هذه الأيام) سافرتُ من مدينة إسلام آباد العاصمة الى مدينة كراجي في إقليم السند التي تبعُد بالقطار مسير ثلاثة أيام بمهمة وهمية محبوكة لصيدٍ ثمينٍ كانت قد خططت لها قنصلية نظام صدام (ملخصها عمل مشروع معارض للنظام). كنتُ أنا الضحية وكان صديقي الكردي (ج،م،ص) الذي تعرفت عليه في إيران هو الذي يدير الخطة، ويعمل على إستدراجي ووضعي في عنق الزجاجة. فبعد إن قضينا أنا وصديقي أوقاتا في المدينة لأيام، ولما بلغنا صباح يوم الثلاثين من ذلك الشهر بدأ بتنفيذ الخطة وبإحكام، كانت تقضي بتخديري ونقلي الى بغداد بطائرة مسافرين عراقية تقوم برحلة إسبوعية مساء ذلك اليوم (فهمتُ فيما بعد)، كان مدير الأمن العام علي حسن المجيد وراء الخطة، والقصة تطول. بناءً على بنود الخطة شربتُ قطراتٍ قليلةً من الشاي الأخضر الموضوع فيه المخدر، فشعرت بأعراض أفقدتني السيطرة على الوقوف والكلام والتفكير، وأخذني الهوس والرعب وخفقان متسارع في القلب والغثيان. كانت ساعاتٍ عصيبةً يشيب منها الطفل، بينما العملاء ينتظرون سقوطي على الأرض لنقلي بسيارة سوداء واقفة أمام مكان الحدث (مقهى سعدي، صاحبها جلال أبو رضا الأفغاني، متعاون)، وهناك سيارة أخرى معها. المعجزة أني تخلصتُ منهم ووصلت مستشفى محمد على جناح (جناح هوسبيتل) الذي يبعد عن موقع الحدث أكثر من مئتي متر، تم فيه إجراء اللازم بغسل أمعائي. إلا أن مفعول المخدر بقى في جسمي لأكثر من عشرة أيام ، أما انعكاساتهُ النفسية فمازالت الى يومنا هذا حين أتذكر الواقعة باشمئزاز وتذمر. ذهبتُ بعدها الى مقر شؤون اللاجئين التابع للأمم المتحدة فكان مقفلا، وليس لي من حيلة سوى اللجوء الى القنصلية الإيرانية التي يعرف مكانها سائق (الركشه) الباكستاني. كان الوقت ليلا حين طرقتُ باب القنصلية بقوة فظهر لي الحارس يسألني عن سبب مجيئي اليه في ذلك الوقت المتأخر. أخبرته بقصتي وباختصار بلغتي الفارسية الضعيفة، فذهب بعدها الى داخل المبنى واتصل بالموظف المختص. حضرا إثنان من موظفي القنصلية أتذكر إسم أحدهم آقاي إبراهيمي والآخر هادي ( قد تكون الأسماء وهمية ). أدخلاني الى داخل المبنى وسألاني بعضَ الأسئلة وجلبا لي على الفور كوبا من الحليب طلبا مني أن أشربة لما له من مفعول إيجابي على حالتي تلك. سألاني عن الخدمة التي أريدها منهما فطلبت تأمين وصولي الى مكتب الأمم المتحدة كوني أحمل هويتهم. أحضرا لي سيارة قديمة (مقصودة)، حسبتها لا تشتغل. وصلنا مقر المكتب الجديد ونزلتُ معهما واتجهنا الى إستعلامات المكتب بيَّن له أحدُهما شيئا من قصتي، إلا أنه حمل سماعة الهاتف واتصل … طلب أحدُ الدبلوماسيين الإيرانيين مني بالسماح لهما بالإنصراف فورا لأن بقائهما غير مجدي وخطأ. شكرتهما بلسان لا يقوى على النطق بسبب المخدر على حسن تعاملهما وما قدموه لي من خدمة، ثمَّ انصرفا. بعد أقل من ساعة جاء موظف المكتب المختص وعلمتُ فيما بعد أنه ضابط أمن المكتب بصحبته صديقته الزنجية. سألني عن سبب ذهابي الى القنصلية الإيرانية ومجيئي مع الدبلوماسيين الإيرانيين الى المكتب. بقيت أتذرع له بمعاذير أراها صحيحة ومشروعة إلا أنه طردني شرَّ طردة ولا يريد أن يسمع مني شيئا أو يقبل مني استغاثتي في تلك الليلة المظلمة، بينما سيارات عملاء القنصلية يتخطفون من أمام بوابة المكتب ويرصدونني، كانت من بينهم فتاة جميلة (هكذا كنتُ أفسر بعض الظواهر التي أراها في الوقت الحرج وكنت أحسب حركة السيارة وسائقها). لم أخرج من مدينة كراجي على الفور حتى لا أكون عِرضة للخطر في منتصف الطريق، بل بتُّ ليلتي تلك في مسجد بمنطقة سلطان آباد على ما أذكر، والليلة الثانية في مسجد الإيمان، بعدها غادرتُ باتجاه مدينة إسلام آباد بالقطار فوصلت بعد ثلاثة أيام تقريبا. أما مكتب شؤون اللاجئين في العاصمة فلم يعر للقصة أي اهتمام، ولم يحلني الى المختبر للفحص حتى انقضاء عدت أيام، أي بعد انتهاء مفعول المخدِّر، فلا أستحق الرعاية كوني عميلا لإيران (بحسب التوصيف السري لمكتب كراجي). فلما وصلتُ كندا كانت النظرة الدونية تلك بملفي السرّي تلاحقني وبقيت أصدُّ عن نفسي شرّ الأساليب الناعمة والغدر الذي تمارسه المخابرات الكندية حتى ما بعد بلوغ سن التقاعد. الى هنا يمكنني القول أن حياتي التي قضيتها طيلة الثلاثة عقود في كندا هي أقسى، وأكثر ألما، وخطورةً، ومعاناةٍ مما واجهني طوال مسيرتي في العراق وإيران والباكستان. بعد أيام من محاولة الإختطاف سمعت أن وكالة أنباء (أرنا) الإيرانية قد ذاعت الخبر، بينما جريدة العمل الإسلامي التابعة لمنظمة العمل الإسلامي نشرت خبر محاولة اختطافي بإسمي الآخر المثبت في هويتي الصادرة من مكتب شؤون اللاجئين (عادل مصطفى حسين)، ثم عادت النشر مرة أخرى بإسمي الحقيقي في عددها رقم -–318 الصادر في 10 Dec 1989. أما إذاعة صوت الثورة الإسلامية في العراق التابعة للمجلس الأعلى في طهران فقد أذعة الخبر لمرتين. في واحدة من حلقات (عالم المخابرات) ذكرتُ الشهيدين المذكورين بعدها جاء التعقيب (توثيق) الذي كتبه مقرر حقوق الإنسان وسفير السلام العالمي الدكتور صاحب الحكيم في لندن المنشور على موقع – صوت العراق – يوم 28-5-2006 وقد شكرني فيه على ما قدمته بهذا الخصوص، وقال: (تحية لللأخ الأستاذ الكفائي على معلوماته القيمة). هذا الحدث الذي نحن بصدده لا يمكن التهاون فيه أو نسيانه، خصوصا وأنه يكشف سلسلة طويلة عريضة من العملاء الذين ارتكبوا جرائمَ خطيرة بحق العراقيين المعارضين وأن أهالي الضحايا الى هذه الساعة لا يعرفون مصيرَ أبنائِهم أو المجرم الحقيقي الذي ارتكب الجريمة. أريد هنا أن أكون عاملا مساعدا في كشف الحقائق الغامضة. فيما يخص التقصير الخطير الذي ارتكبه موظف مكتب شؤون اللاجئين بكراجي والذي كاد أن يودي بحياتي، وكذلك مكتب إسلام آباد فقد حان الوقت لكشف المستور والمتابعة في طلب تقديم الشكوى ضدهما، وسأعمل بجد على مطالبتي بالتحقيق وما يترتب عليه من نتائج، عسى أن أجدَ في بلادي وغيرِها المتخصصين ممَن يساعدني في هذا الملف الذي تتبعه ملفات ملفات أخرى قد تكون الأهم.
قاسم محمد الكفائي/ كندا Email- alkefaee1974@gmail.com TEL Canada 613-3010133