أربع ملوك في عام واحد
بقلم: د. كمال فتاح حيدر..
اللافت للنظر انه في عام واحد فقط، وهو عام 744 للميلاد تولى (الخلافة) اربع ملوك من بني أمية. وكان ترتيبهم على التوالي:- الوليد بن يزيد بن عبدالملك، ثم يزيد بن الوليد بن عبدالملك، ثم إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك، ثم مروان بن محمد بن مروان. في صورة مربكة تؤكد على التخبط، وفقدان الإستقرار السياسي في نظام الدولة، وتزعزع ثقة الناس بملوكها الذين يجمعهم قاسم مشترك واحد، وهو انتماءهم إلى (أمية). .
فقد تولى الوليد بن يزيد بن عبدالملك (الخلافة) لبضعة أشهر، وكان مجاهراً بالفواحش، مُصرًّا عليها، منتهكاً للمحارم، لا يتحاشى من معصية، وكان ماجناً متعاطياً للمعاصي، ولا يستحيي منها، وكان شاعراً فاسقاً. نذكر قصيدته التي يقول فيها:-
يا أيها السائل عن ديننا
ديني على دين أبي شاكرِ
نشربها صرفا وممزوجة
بالسخن أحيانا وبالفاترِ
فمقته الناس لفسقه، وتأثموا من السكوت عنه وخرجوا عليه، فقتلوه وقطعوا رأسه وهو بعمر 33. ثم جاء من بعده (الخليفة) يزيد بن الوليد بن عبدالملك، لكنه مات بعد توليه الخلافة بقليل، ولم يدم حكمه إلا بضعة أشهر. وسمي بيزيد الناقص. ثم جاء من بعده (الخليفة) ابراهيم بن الوليد بن عبدالملك، فمكث في الخلافة سبعين ليلة فقط، ثم خلعوه، فهرب ثم عاد وخلع نفسه، وسلم الخلافة إلى مروان، ثم مات غرقاً فيمن قُتل من بني أمية في وقعة السفاح. .
وانتهت حكومة (خلفاء) بني أمية بمروان بن محمد بن مروان بن الحكم، الذي طارده العباسيون، فوجدوه مختبئا في كنيسة أبو صير، فابتدره رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان فاحتز رأسه. .
وهكذا سقطت الدولة الأموية وطويت صفحاتها بلمح البصر بعد تعاقب اربعة من ملوكها في عام واحد، وجميعهم من نسل مروان بن الحكم. .
لكنك لو بحثت عن أسباب سقوطها وزوالها ستكتشف ضراوة المدافعين عنها الآن، ولن تجد من يشكك بفساد ملوكها وتماديهم في الظلم والطغيان واغتصاب حقوق الناس. فعلى الرغم من صحة الروايات التاريخية القديمة المتواترة، ودقتها في تشخيص عيوب تلك الدولة واخفاقاتها، لن تجد في عالمنا المعاصر من يتوخى الدقة في اتهام ملوكها، وكأنهم ملائكة معصومون من الخطأ. فترى الاتهامات كلها موجهة إلى الاقوام غير العربية. على الرغم من انها سقطت بثورة عربية عنيفة يقودها أبناء العباس بن عبد المطلب. ثم انحرفت الأمور في الدولة العباسية عن مسارها الصحيح لتسقط هي الأخرى على يد (الخليفة) المستعصم بالله الذي تسببت رعونته في انتصار التتار، في الوقت الذي كان فيه قصره يعج بمؤامرات الحريم والجواري والغلمان. .
وللحديث بقية . . .