أجسامٌ مضيئة تجوب الصحراء ليلاً
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
يحتفظ اجدادنا في البادية بمشاهدات كثيرة ومتكررة لأجسام مضيئة تتحرك في جوف الصحاري والبراري. يسمونها: (ابو نويرة). أما لماذا لا يتحدثون عنها فذلك يعزا إلى خشيتهم من ان يتهمهم الناس بالجنون والهلوسة. وربما لم يعثروا على من يتحدثون إليه ليسجل ملاحظاتهم وينقل إلينا مشاهداتهم، أو ربما لأنها لا تؤذيهم ولا تزعجهم. فهي تظهر في توقيتات متباعدة وأماكن متفرقة. تارة على شكل كرات نارية. وتارة على شكل أنوار متطايرة. أو على شكل ومضات متقطعة. وأحياناً تظهر وتختفي وتقترب وتبتعد وترتفع وتنخفض. فالصحراء بمحيطها الواسع، وأبعادها المترامية الأطراف، وكثبانها المتحركة، وآفاقها العميقة، وظلامها الدامس، وسكونها الذي يحبس الأنفاس، مليئة بالخفايا والأسرار. وتتحول ليلاً إلى مسرح مخيف يعج بالكائنات الحية والمخلوقات الغريبة. وهي بطبيعة الحال تختلف عن أضواء Min Min التي تشكل ظاهرة غامضة تخيف الناس في الصحراء الأسترالية. ولا توجد لدينا الادلة العلمية على وجود أضواء Min Min في الصحراء العربية، باستثناء بعض الحكايات الشعبية التي تناقلتها الأجيال. وقد وصف الشهود هذه الأضواء بأنها كرات ملونة سريعة الحركة تتوهج في سماء الليل بارتفاعات مرئية في الأماكن غير المأهولة. أحياناً تكون الأضواء زرقاء وفي أحيان أخرى بيضاء أو صفراء. .
تقوم بعض البلدان الصحراوية بإخطار السواح بأنهم موجودون في أرض الأجسام المضيئة، وأنهم قد يكتشفونها أثناء توغلهم لمسافة 120 كيلومتراً. .
كتب أحدهم على صفحته في الفيس بوك. يقول: كنا في طريق العودة ليلاً إلى مدينتنا بعد جولة في صحراء الدهناء في المملكة العربية السعودية. كنت أقود سيارتي نحو المدينة عندما ظهر لنا فجأة جسم مضيء يتحرك ببطء. فقررنا متابعته، وفجأة اكتشفنا اننا كنا نسير في الاتجاه المعاكس، ونعود إلى الصحراء من دون أن ندرك ذلك. .
يهتم (كيرتس رومان)، وهو محاضر بارز في جامعة تشارلز داروين (Charles Darwin University)، بجمع حكايات القبائل البدوية للتعرف على هذه الظاهرة كجزء من مشروع بحثي مستمر. مؤكداً على وجود العديد من النظريات العلمية التي يمكن أن تفسر هذه الظاهرة. قال ان أحدها هو أنها سراب تسببه الغازات الطبيعية أو الهواء الدافئ والبارد عندما يجتمعان معاً. وتفيد بعض النظريات الأخرى بأنها حشرات مضيئة بيولوجياً. على الرغم من أن الدراسات لا تزال في مراحلها الأولى. .
كانت الكاتبة والمخرجة جوب كليرك (Jub Clerc) تتابع منذ صغرها حكايات الأجسام الصحراوية المضيئة. وفي عام 2015 أخرجت فيلماً قصيراً بعنوان Min Min Light استنادًا إلى تجربتها الخاصة مع تلك الأضواء. تقول: عندما كنت صغيرة مستلقية في الفناء الخلفي لمنزلي، أضاءت هذه الأجسام، فشعرت بالخوف والفزع، وبدت لي الحياة أكثر تعقيداً مما نظن. .
في مكان آخر على امتداد الطريق السريع غرب تكساس بنحو 400 ميل من أوستن، يتجمع الناس كل ليلة لمشاهدة ظاهرة مشابهة يطلقون عليها (Marfa)، تتمثل بتحركات غير منتظمة لأجسام ساطعة. تتراقص أمام أعينهم باللون الأبيض والأصفر والوردي والأزرق والأحمر. أجسام متلألئة. تندفع مترددة. تظهر مرة وتغوص في ظلام صحراء تشيهواهوا مرة أخرى. يرى البعض أنها أجسام غريبة. ويرى آخرون أنها أشباح مكسيكية. .
يعود أول سرد تاريخي لأضواء (Marta) إلى عام 1883. وهو العام الذي قال فيه راعي البقر (روبرت ريد إليسون) أنه كان يرى نيران الأباتشي من بعيد. لكنهم عند التحقيق في صباح اليوم التالي، لم يعثروا هناك على أي أثر لبشر. وظل السكان المحليون يرصدون تلك الأنوار منذ ذلك اليوم. وأقاموا عام 2003 أول معرض للافلام واللقطات التي سجلت تحركات تلك الاجسام الغامضة. من دون ان يتوصل العلماء إلى تفسير علمي لهذه الظاهرة. .
وللحديث بقية. . .