رسالة الى زينب ع
بقلم : وجيه عباس ..
بعباءتين، أحمل قلقي، ألمُّ خطاك المتعثرات وهن يبحثن عن كفيلٍ لك في رمل كربلاء، لي أن أقف أنا الغريب بينك وبين الأمس وأقول: متى تتوقفين عن الانتظار مولاتي؟ لقد رحل جيش ابن سعد وبقيت الأعراب هنا بانتظار أن يتم تمليكهم الأرضَ التي قطعوا على أديمها رؤوس بني هاشم، كلهم.
للغربة وجه زينب، ولفاطمة بيتٌ للأحزان هناك، ومابين البيت وبين عباءة زينب، يخرج العراقُ لاطماً على رأسه وهو يصيح: إنها لهي المواساة، ولنا نحن اللا…نسمّى أن نحتفي بالقتلة، كل قاتل عربي يشهر سيفه بوجه الحسين حتى ينال رضا ولاة الربيع السلفي، وللضحايا أن يتلذذوا بحلاوة الدعاء على جدران أي حائرٍ حسينيٍ أبقانا حائرين حتى هذه الغفلة!.
قبل سنين من كربلاء، كانت زينب تحمل كوناً اسمه العباس، كانت تدلل هذا الباذخ بالغيرة، قمرٌ يسعى بين يديها، كانت كلَّه حين تغفو الأعين أو حين تصطف الأقدامُ للصلاة بين يدي الله، كان العباسُ يحبو لكفالتها منذ أن تعلّم كيف يُمسكُ بالقمر، وحين كبرت كفاه أوقفهما لها، كانت زينبُ خيمتَهُ التي تظلّلُه من الحزن، وكان العباس ظهراً لقدميها وهي تصعد إلى ظهر كربلاء لتسقط أصنام أميّة، كانت خيمته الكبرى حين تنوحُ الفاختة، وأقول طوبى لكفيك ياعباس وشفاه زينب تغمسهما بالدمع حتى لايأكل الترابُ جودها، وطوبى لعباءتك السوداء مولاتي وهي تقطرُ بالأكفِّ على جسد العلقمي وهو يشرب آخر قطرات الماء من جبين العباس.
دثار ليلك أيتها الزينبيةُ موحشٌ، وللنهارِ أسئلةُ السبايا، وأقول يازينبُ: ياجبلَ الصبر ترفّقي بأدمعنا وأنت تقفين هناك، بيننا وبينك رأسٌ حسينيٌّ وكفّان قطيعان أنبتهما عليٌّ في العباس.
لزينبَ هذا الليلُ نافذةٌ وبابٌ يبحثان عن يدٍ تطرقه في ليل المواجع، لا أحد هناك يجيبك عن يومنا هذا، للحسين كربلاءُ الدم، ولك هذي الكربلاءات التي توشحتْ بالسواد، الرؤوسُ التي توسَّدت الرملةَ حملتها النسوةُ إلى حيث ينتظرهنَّ رحيل جديد، وأقول يا ابنة الباب الذي باطنُه الرحمةُ وظاهرُه العذابُ: كيف تأتّى لك أن تخرجي في ليل الغاضرية تبحثين عن جسدٍ تغسّلينه بالدموع وعن كفّين تقبلينهما بالخشوع؟ وكيف يمكن لصوتك أن يحملَ كلَّ هذه الثورات؟.
خضابُكِ سِدرٌ، وحنّاؤك هذا الدمُ العلويُّ الذي يفيضُ بالفواطم، هذا الليل جَمَلٌ يحمل ركابَكِ وهو يبحث عن كفيلٍ يخرج من قبرِه ليجيء إليك كما البحرُ…كما النحرُ، أرايتِ بحراً مقطوع الكفين يلثم عتبة مرقدِكِ الموحشِ إلا من بضع عيونٍ حيرى؟.
سلامٌ عليك يوم ولدتِ، ويوم كبرتِ، ويوم خرجتِ، ويوم سُبيتِ، ويوم نطقتِ…سلامٌ عليك مذ كنتِ زينبَ ولمّا تزال..سلامٌ على خدرِكِ المسبيّ.. سلامٌ على صوتِكِ العلويّ.. سلامٌ على دمعتك السكيبة.. سلام على تربتك الغريبة… أيتها الحسينُ في النساء… أيتها الكربلاء التي حفظت دم الشهداء…سلامٌ عليك يا أميرة السبايا…أيتها البلايا…سلامٌ على ضياك..سلام على بُكاك…سلامٌ على العَلَويّات تساقطنها يداِك، سلامٌ على خباك..على عيونِك الدامعات…على جفونك الساهرات…اغفري للجميع انهم نائمون!.