الاخبار السياسيةالمقالات

بين زمنين العراقيون من جيل الانغلاق إلى جيل الانفتاح… وماذا بعد؟

بقلم: الحقوقية انوار داود الخفاجي ..

شهد العراق منذ عام ٢٠٠٣ تحوّلاً جذريًا لم يكن على مستوى النظام السياسي فحسب، بل مسَّ بنية المجتمع العراقي بكافة مستوياته الفكرية، الاقتصادية، الاجتماعية، والأخلاقية. ويمكن القول إن هناك فاصلًا زمنيًا وثقافيًا صارخًا يفصل بين جيل ما قبل ٢٠٠٣ وجيل ما بعد ٢٠٠٣ ، حيث أنتج هذا التحوّل جيلاً جديدًا يحمل تطلعات ومفاهيم مختلفة، ويعيش في عالم متسارع الانفتاح والتطور.

جيل ما قبل ٢٠٠٣ نشأ في ظل حكم استبدادي مركزي، سادت فيه ثقافة الخوف وكتم الأصوات، وكانت السياسة موضوعًا محرّمًا في البيوت والمدارس والشارع. بالمقابل، وُلد جيل ما بعد ٢٠٠٣ في بيئة مليئة بالضجيج السياسي، تعدد الأحزاب، وتضارب الخطابات. هذا الجيل رغم ضياعه أحيانًا في متاهة الفوضى السياسية، إلا أنه أصبح أكثر جرأة في طرح الأسئلة، والمطالبة بالحقوق، والنزول إلى الشارع للاحتجاج.
جيل ما قبل ٢٠٠٣ عانى من عزلة تكنولوجية وإعلامية قسرية؛ فالقنوات كانت محدودة، والإنترنت غائب، والمعرفة محصورة في الكتب الورقية. أما جيل ما بعد ٢٠٠٣ ، فقد انفتح فجأة على عالم لا حدود له، حيث أصبح الإنترنت، والمنصات الاجتماعية، والمعلومة اللحظية جزءًا من يومه. هذا الانفتاح أكسبه معرفة أوسع لكنه جعله أيضًا عرضة للتضليل، وفقدان الهوية الثقافية أحيانًا.
تميز المجتمع العراقي قبل ٢٠٠٣ بتماسك اجتماعي نسبي بفعل مركزية الدولة والمجتمع الأبوي، رغم ما كان يشوبه من قمع وتقييد للحريات. بعد ٢٠٠٣ ، ظهرت هويات فرعية متصارعة، وتراجعت سلطة العائلة التقليدية، وبرزت ظواهر جديدة مثل الهجرة، والعزوف عن الزواج، والتباعد بين الأجيال. ورغم هذا التفكك، ظهرت مبادرات شبابية إيجابية تسعى لبناء مجتمع مدني جديد.
قبل ٢٠٠٣ ، كان العراقيون يعيشون في ظل حصار اقتصادي خانق، خالٍ من فرص العمل والاستثمار. وبعد ٢٠٠٣ ، انفجرت موارد النفط ولكن بشكل غير عادل، فظهر التفاوت الطبقي بشكل صارخ، وبرزت طبقة سياسية غنية على حساب عامة الشعب. الجيل الجديد وُلد في هذه الفجوة، مما ولّد حالة من الإحباط واليأس لدى كثير من الشباب الذين باتوا يبحثون عن الهجرة كخلاص.
جيل ما قبل ٢٠٠٣ كان منضبطًا بقيم صارمة تفرضها الأسرة والمدرسة والدولة، لكن هذا الانضباط كان ناتجًا عن الخوف لا القناعة. جيل ما بعد ٢٠٠٣ ، بحكم الحرية المفاجئة، شهد انفلاتًا أخلاقيًا في بعض الحالات، لكنه أيضًا حمل قيمًا جديدة مثل احترام التنوع، والمطالبة بالحقوق، والتطوع المجتمعي.
الأجيال القادمة في العراق ستكون نتاج هذه التحولات، لكنها تواجه تحديات خطيرة انهيار التعليم، ضعف الهوية الوطنية، التغيرات المناخية، والتحولات الرقمية. إن لم يُستثمر في وعيها، وخلق بيئة صحية للتطور الفكري والإنتاجي، فإن العراق مقبل على جيل قد يكون غريبًا عن تاريخه، مشوشًا في حاضره، وغامضًا في مستقبله.

ختاما إنها لحظة تأمل عميقة هل سنواصل إنتاج جيل غاضب يبحث عن الخلاص، أم سنرسم ملامح جيل واثق يصنع التغيير؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى