لا توقظوا (معاوية) !
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
لأن (معاوية) فتنة ..أرجو ان لا توقظوه.. ولا بأس أن أذكركم بالحديث الشريف الذي رواه عن النبي، الصحابي أنس بن مالك:
(الفتنة نائمة.. لعن الله من أيقظها) !
وقبل أن أخوض في أضرار هذه الفتنة، أضع السؤال الذي قد يتبادر الى أذهان القراء، ومفاده: هل كان معاوية فتنةً فعلاً؟
والجواب: نعم كان فتنة، في حياته، وفتنة في مماته وفتنة بعد موته كذلك.
والان، دعوني أولا، اوضح كيف كان معاوية فتنة في حياته، وانا هنا لا أتبنى رأي جماعة على حساب جماعة أخرى إنما أنقل ما يجمع عليه أغلب المؤرخين، إن لم يكن جميعهم.. حتى ان الكاتب والمفكر الكبير طه حسين، الذي يُعَدُّ عَلَمًا من أعلام التنوير والحركة الأدبية الحديثة وصاحب مشروع فكري متكامل، أصدر عام 1951 كتاباً مهماً بجزأين، أسماه (الفتنة الكبرى)، يتحدث فيه بشكل واضح عن دور معاوية في صناعة هذه الفتنة، وسعيه لاستثمار مقتل الخليفة عثمان بن عفان، استثماراً منفعياً (شايلوكياً )، يفتقد لأبسط مقومات الشرف والدين والأخلاق… وتوظيف الحادثة لمصلحته، حتى لو تسبب ذلك في اراقة دماء المسلمين – وقد أريقت دماء غزيرة من المسلمين فيها فعلاً- .. لقد تحدث طه حسين عن (خروج) معاوية بن أبي سفيان، على الخليفة الشرعي و(أمير المؤمنين) علي بن ابي طالب، وفي معركة صفين، التي وقعت سنة 667 ميلادية، بين جيش خليفة المسلمين علي بن أبي طالب وجيش معاوية.. في منطقة تُعرف اليوم بالحدود السورية العراقية، وقد استشهد فيها عمار بن ياسر أحد قادة جيش الامام علي، والصحابي الذي تنبأ النبي محمد بمقتله على يد فئة باغية، قائلاً: ( وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ).
ولعل أفظع ما في معركة صفين، أنها انتهت بخدعة التحكيم، تلك الخديعة التي كان بطلها ممثل معاوية-عمرو بن العاص- وهي قضية كما معروف تاريخياً، تجلت فيها أبشع صور المكر والخداع، وهذا ما يتنافى مع قيم ومبادئ وسلوك خليفة، يفترض أن تكون خلافته وريثة شرعية للخلافة الراشدة!
لذا يمكنني القول إن كتاب طه حسين يستحق أن يقرأ كله، حيث سيعرف القارئ بعدها أي فتنة زرعها معاوية بين المسلمين. إن الفتنة الأولى، التي أشعلها معاوية مستغلاً مقتل عثمان، والفتنة الثانية التي زرعها معاوية أيضاً عبر توريثه الخلافة لابنه يزيد، قد حظيتا بدراسات غربية وشرقية لا تعد ولا تحصى، مثل دراسة هشام جعيط، وهي أوّل دراسة تاريخيّة معمّقة عن(الفتنة الثانية) وكذلك دراسة المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن لاسيما الفصل المخصّص لفترة خلافة معاوية بن أبي سفيان والمعنون: (السفيانيّون والحرب الأهليّة الثانية)!
ورغم اقتضاب الفصل، فإنّ المؤرخ حلّل بعمق هذه الفترة. كما درس هنري لامنس فترة خلافة يزيد بن معاوية في كتاب..
وبحث محمد عبد الحيّ شعبان في الفتنة ايضاً، بفصل عنوانه: (معاوية والحرب الأهليّة الثّانية)، وغير ذلك من الدراسات .
لقد تحدثنا عن دور معاوية في الفتنة الاولى، أما دوره في الفتنة الثانية فقد حققه وهو في قبره!
كيف؟ لقد كان بنو أُمية ينظرون إلى الأمر على أنّه مسألة مُلك ورئاسة وصراع عليهما، وقد استولوا عليه ولن يفرّطوا به أبداً، بل لا بدّ أن يكون مُلكاً وراثياً يتوارثونه شخصاً بعد شخص، لكن هذه الرغبة كانت تصطدم بعدد من الموانع التي تعترض طريقها، وبعض هذه الموانع يتعلّق بمبدأ التوريث نفسه، والبعض الآخر يتعلق بأهلية يزيد. فمن حيث المبدأ يعتبر التوريث خرقاً لما سارت عليه الأُمّة قبل ذلك، من مسألة الانتخاب حتى بات راكزاً في وعيها السياسي والشرعي العام، وسنلاحظ أنّ كثيراً من الاعتراضات التي انطلقت ضدّ بيعة يزيد كانت تركِّز على هذا الجانب بالذات، وعلى الوريث نفسه، إذ لم يكن يزيد مؤهّلاً لرئاسة الأُمّة، بحيث قال عنه ابن الجوزي: “ما رأيكم في رجل حكم ثلاث سنين؛ قتل في الأولى الامام الحسين بن علي، وفي الثانية أرعب (المدينة)، وأباحها لجيشه، وفي السنة الثالثة ضرب بيت الله الحرام، وهي إشارة إلى واقعة كربلاء، وواقعة الحرّة التي ثار فيها أهل المدينة ضد واليها وأخرجوه منها وسائر بني أمية، وذلك من بعد أن انكشف لديهم فسق يزيد وجرائمه. فبعث إليهم يزيد، مسلم بن عقبة على رأس جيش فقتل أهلها واستباحها، وأرسل نفس ذلك الجيش لقمع عبدالله بن الزبير بمكة، فهجم عليها وضرب الكعبة بالمنجنيق وأحرق البيت الحرام وهدمه وقتل خلقاً كثيراً من أهلها، فهل هناك أعظم من هذه الفتنة؟
أما الفتنة الثالثة في رأيي، فهي الفتنة التي تشكلت ملامحها مذ أعلنت قنوات (أم بي سي) السعودية في بيانها الصحفي الموجه لهيئة الإعلام في العراق، ردا على القرار الذي أصدرته بمنع عرض مسلسل معاوية، والذي كان من المقرر عرضه في رمضان المقبل 2023. وجاء بيان mbc وفقا لنصه : «يسرنا إعلامكم أن مسلسل «معاوية» سيعرض على مجموعة قنواتها، وحسب الجدول المقترح لبث المسلسل في رمضان المبارك، ذلك بسبب بنود الاتفاق المبرم بين مجموعتنا والشركات المعلنة وحقوق الطبع والنشر والتوزيع والاعلان. وتابعت مجموعة Mbc
في بيانها الموجه لهيئة الإعلام العراقية :
“مما يعرضنا لمساءلات قانونية مع الشركات الراعية لبرنامجنا،كما ننوه أن قناتنا mbc العراق، ملتزمة بلوائح قواعد البث الإعلامي والصادر عن هيئتكم الموقرة”. انتهى.. وهذا يعني أن mbc مصرة على بث المسلسل!
واذا علمنا ان مسلسل معاوية يتابع الأحداث الملتهبة التي جرت بعد وفاة عثمان، منذ تولي الامام علي الخلافة،وصولا إلى خلافة معاوية وتتوالى الأحداث وتستمر، فإن ذلك يعني أن المسلسل سيخوض في أخطر فترة من تاريخ العرب والاسلام! وإن اصرار الجهة المنتجة على بث هذا المسلسل رغم حملة الاعتراضات المختلفة، ورغم النصائح، لاسيما نصيحة السيد مقتدى الصدر المتضمنة اقتراحاً بايقاف انتاج هذا المسلسل، بخاصة وأن انتاجه يأتي من قبل جهة سعودية، لا يتفق مع التطور الحاصل في توجهات وسياسة القيادة السعودية الشابة..لذا فإن المشكلة برأيي لا تكمن في موقف مؤلف ومخرج المسلسل، ولا بحرصهما على رسالتهما المهنية – كما يدعيان- إنما تكمن في الأهداف التي تبتغيها جهة الانتاج، وهنا مربط الفرس، وبيت القصيد.. فالكاتب ومعه المخرج لا يملكان شيئاً، بل هما ينفذان – رغماً عنهما – هدفاً تصوب اليه جهة الانتاج (السعودية).
وقد كشف لنا بشجاعة، السيناريست حامد المالكي في حوار مع الشاعر عارف الساعدي كيف يزوّر كتّاب المسلسلات- لأسباب وظروف خارجة عن أيديهم – تاريخنا، ضارباً المثل بمسلسل عن أبي جعفر المنصور، وآخر عن البدو… لذلك أنا قلق من هذا المسلسل المشؤوم، واتوجس خيفة من عرضه، فأشباه داعش يبحثون عن عود ثقاب، ليحرقوا اليوم ما لم يحرقوه قبل، فلماذا نمنحهم هذه الفرصة المجنونة ياترى؟
وإلا ماهي دوافع انتاج هذا المسلسل، ولماذا الان، وما هي الفائدة الدرامية والتاريخية التي يقدمها مثل هذا العمل الملغوم، المدجج بالفتن، والتشويه والكراهية، وتزوير التاريخ؟!..
إن الجميع يعرف أن معاوية (فتنة)، فلماذا نوقظه ونستدعيه الآن؟