بلاويكم نيوز

فرنسا تمدد والعراق يختزل

0

بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..

في عام 2019 قرر المشرعون العراقيون تخفيض السن التقاعدية من 63 الى 60، فأحالوا ثلاث مواليد إلى التقاعد دفعة واحدة، وحرموا ربع مليون اسرة من استحقاقاتها المالية، وترك هذا التشريع آثاره التعسفية حتى يومنا هذا، وتسبب في تردى المستوى المعيشي لشريحة كبيرة من الطبقة الفقيرة، وكانت لنا مواقف وطنية مشهودة وقتذاك على صعيد البرلمان، وعلى صعيد المحكمة الاتحادية، لكن محاولاتنا باءت كلها بالفشل، وذهبت جهودنا ادراج الرياح، ولم تسهم في استرداد الحد الادنى من حقوقهم الضائعة. فقد اتفقت السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية على التخفيض بلا مراعاة للظروف الاجتماعية القاهرة. فخرج المتقاعدون بالآلاف في مظاهرات عارمة تكررت في معظم المحافظات، بينما خرج الفرنسيون هذه الأيام بالآلاف للاحتجاج على رفع السن التقاعدية من 62 إلى 64. وتواجه فرنسا الآن خطر استئناف المظاهرات الاحتجاجية ضد مشروع إصلاح النظام التقاعدي، وبات واضحاً ان رفع سن التقاعد لا يحظى بتأييد شعبي في فرنسا، ووصلت حالة الغضب والغليان إلى إطلاق رئيس نقابة القوى العاملة (فريديريك سويو) تحذيراً شديد اللهجة اعترض فيه على تمديد سنوات العمل إلى 64. .
وهنا لابد من طرح التساؤلات حول هذا التفاوت والتباين الكبير بين موقف العراقيين وموقف الفرنسيين، فالعراقيون يريدون التمديد، ويطالبون به، وهو حق مشروع من حقوقهم الوظيفية، والفرنسيون يرفضون التمديد ويطالبون بتقليص سنوات الخدمة الوظيفية ؟. لماذا ؟.
الحقيقة ان الجواب في غاية البساطة، ويعزا إلى الفوارق المعيشية والترفيهية والخدمية المتوفرة للطرف الفرنسي، والتي حُرم منها الطرف العراقي. حيث يعيش الفرنسيون في ظل دولة وفرت لهم مستلزمات العيش الرغيد والرواتب التقاعدية المجزية، التي تشجعهم على القيام برحلات سياحية والاستمتاع بحياتهم كيفما يشاءون، بينما يواجه المتقاعدون في العراق مشاكل معيشية لا حصر لها، ولا تكفي رواتبهم التقاعدية لتغطية نفقاتهم المنزلية. وهذا هو الاختلاف الصريح بين الطرفين. .
اما إذا أردنا التعرف على موقف الحكومة الفرنسية، فسنكتشف ان قراراتها مبنية على دراسات مستفيضة أوصت بعدم التفريط بأصحاب المواهب والكفاءات والمهارات، فالدولة الفرنسية تريد مواصلة الإنتاج والنهوض وتنفيذ خططها التنموية. بينما لم تكن قرارات الدولة العراقية ناضجة، ولم تكن مبنية على أي دراسة بهذا الشأن، بل على العكس تماماً، لأنها تخلت عن رصيدها العلمي والمهاري، وأخرجت الخبراء من ميادينهم الإنتاجية، وتخلصت منهم بلا وجع قلب، ومن دون ان تلتفت لخسارتها الفادحة المتمثلة باختلال توازن تركيبة القوى العاملة. .
وشتان بين الطريقة التي يفكر بها الاوروبيون والطريقة التي يفكر بها جماعتنا. ولله في خلقه شؤون. .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط