بقلم: فراس الغضبان الحمداني ..
ساهم النضال الكردي على الدوام في مواجهة دكتاتوريات قمعية تنفي حق الكورد في العيش الٱمن وتحقيق الوجود الذاتي والتمكن من الثقافة الخاصة والعادات والتقاليد ورسم صورة لمستقبل يشعر المواطن الكردي فيه إنه ليس مجرد مواطن من الدرجة الثانية وأن عليه أن يستسلم إلى الأبد ، ويعيش في نمط إجتماعي وسياسي يرسمه له الٱخر المتسلط بل هو صانع للحياة وقادر على التعايش والمساهمة في بناء البلدان وفقاً للشراكة ، وليس التسلط والدكتاتورية والقمع ، وهي طرق حكم أثبتت فشلها في تركيع الكورد وغيرهم ، وإن الحل الوحيد هو التأسيس لنظام سياسي يرعى مصالح الجميع دون أن يقمع أحداً ، أو يتسلط فيه نظام سياسي دكتاتوري على قوميات وطوائف لا تربد أن تحكم وتتسلط ، بل أن تضمن كرامتها وحريتها وثقافتها ، وتتشارك في شؤون الحياة ، وبناء الأوطان دون تمييز .
النضال الكردي هو شريك لنضال قوميات وطوائف أخرى في منطقة الشرق الأوسط عانت من إحتلال الإمبراطوريات الكبرى التي إمتد إحتلالها لدول عربية لمئات من السنين ، وحاولت طمس الشخصية الوطنية وتمييعها وإضعافها من خلال محاربة اللغات المحلية كاللغة العربية واللغة الكردية ، وجعلهما من اللغات الثانوية المهانة لحساب لغة الدولة المحتلة وثقافتها وعاداتها وتقاليدها ونوع الطعام واللباس والتفكير وحتى العادات والتقاليد ، لكن الصمود الكردي العربي في وجه تلك السياسات ساهم في تقليل وتحجيم آثار هيمنة المستعمرين الخارجيين سواء الإقليميين ، أو الذين جاءوا من خلف البحار ، وإستخدموا جيوشهم وأسلحتهم وثقافتهم في تغيير معالم المنطقة ، وتمييع هويتها ، لكن الشراكة العربية الكردية ، وفي نضال مشترك متفق عليه في أحيان ، وغير متفق عليه في أحيان أخرى جعل الإستعمار و الإحتلال والتغييب من الماضي ، وجرى الشروع في مرحلة جديدة ، ومثلما كانت الثورة العربية الكبرى ضد الإحتلال التركي التي إنطلقت عام 1916 الشرارة التي أنهت أطول إحتلال في الشرق ، فقد كان الملا مصطفى البرزاني يؤسس لتغيير جذري في معادلة الصراع ، فقد تأكد إن العرب والكورد يقاتلون ضد عدو مشترك متعدد حاول في العديد من المرات إيهام العرب إن الكورد أعداء لهم ، والحقيقة هي غير ذلك لأن الكورد والعرب يناضلون من أجل أهداف مشتركة ترفض الهيمنة التي ما تزال تنتعش وتتوقد من تحت الرماد ، ويحاول البعض من الدكتاتوريين الإشارة لها في خطاباتهم وسلوكياتهم ، وليعيدوا أمجاد إمبراطوريات قديمة وسحيقة عفا عليها الزمن ، وصار جزءاً من سجلات الماضي ، ولكن تلك السياسات والشعارات للأسف ما تزال مكلفة ومرهقة من خلال قتل الإقتصادات المحلية وبناء السدود وقطع المياه ومنع الصناعة المحلية والترويج للتفوق القومي على حساب قوميات أخرى مضطهدة .
البرزاني الأب والبرزاني الإبن شكلا عبر قرن من الزمان ضمانة للنضال الكردي ، والتأسيس لعلاقات عربية كردية مشتركة مناوئة للإحتلالات الخارجية ، ونزعة التفوق العرقي المقيت ، ولعل مواجهة النظام الدكتاتوري في العراق كانت واحدة من دلالات الشراكة التي تعمقت بعد سقوط ذلك النظام من خلال التوافق السياسي في إدارة الدولة ، وبناء المؤسسات وفق نموذج لنظام سياسي لا يعتمد التسلط والتهميش بل الشراكة ، ولعل من أبرز مظاهر ذلك إنه كلما إشتدت الأزمة السياسية في بغداد وتعطلت محاولات تشكيل الحكومة وجدنا إن الرئيس مسعود البرزاني يبادر إلى دعم الحوار والتفاهم وعدم السماح بتعقيد الأزمة والسماح للبعض في الترويج لفكرة المواجهة والمنافسة السياسية غير المجدية ، وكان يصدر تعليمات مباشرة للإستمرار في الحوار ، وصناعة الحل ، والمضي قدماً في العملية السياسية ، وهو ما تكرر في أكثر من مناسبة ، كان ٱخرها تشكيل حكومة السيد السوداني التي تشكلت بفعل تفاهم سياسي عالي ، وترتيبات واقعية مسؤولة .
الحقيقة الماثلة التي لن تحجب بغربال هي إن العرب والكورد سوية في مواجهة نظام هيمنة إقليمي يحاول البعض الإستسلام له والإندماج فيه ولكن ذلك لن يكون هو الثورة النهائية ، فجذوة النضال تتقد ولن تنطفيء أبداً .