الفرق بين النسوان والمدافعات عن النسوان
بقلم: هادي جلو مرعي ..
في العام 1856 تظاهرت نسوة أمريكيات في مدينة نيويورك محتجات على الظروف السيئة التي تحيط بهن، والقسوة والتعالي وعدم الإحترام الذي قوبلن به في العمل، وهذا كله قبل التحولات الكبرى في الغرب نحو الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي الذي أتاح للمرأة أن تتحول الى سلعة على غلاف مجلات رخيصة وتتعرى على سواحل البحار، وتخرج الى الشارع بأفخاذ وسيقان محشوة بالرغبة والشهوة، دون تجاهل ان الغرب أتاح في هذا التحول مساحة جيدة للمرأة لتعمل وتكافح وتصنع لها دورا ووجودا مختلفا يضاهي وجود الرجل، ولم يعد مستغربا وجودها رئيسا لدولة وملكة ورئيسا لحكومة وقاض وضابط وحكم ميدان وفي مجالات عدة تفوقت فيها ونافست الرجال.
يحزنني كثيرا التفاوت بين ظروف عيش النسوان عندنا وظروف المدافعات عنهن، فالمرأة العادية تعيش تحت وطأة ظروف قاسية، ومنهن من فقدت أعزائها في الحروب والحصارات والأعمال الإرهابية، ومنهن من تواجه التحرش والإستخفاف، حتى إني ألاحظ العديد من الرجال وهم يستصغرون ويحتقرون النساء في الشارع والعمل، ويستخفون بهن، ويتحرشون ويبتزون ويضغطون، وإذا راجعت إمرأة حلوة دائرة حكومية، أو مؤسسة فياويلها وسواد ليلها، هم فقط يرون أمهاتهم جيدات وزوجاتهم وأخواتهم، وينسون أن أخواتهم وزوجاتهم يعانين من ذات المشكلة التي يلتذون هم بها، ويمارسونها دون تردد، أو خجل، وإنهم سيدفعون الثمن عاجلا، أو ٱجلا.
سجل البشرية حافل بقصص عن مظلومية النساء، وهناك ألوان من العذاب، ولكن روح التحدي لاتموت، وطالما تعجبني تلك القصة عن سيدة من بني إسرائيل كانت تعمل في السخرة في مصر القديمة، وكانت تهان وتذل وتضرب، وكانت تعمل وهي تحمل رضبعها على كتفها حتى إختنقت حزنا، ونظرت الى السماء، ونادت الرب: هل أنت نائم؟ وتستمر القصة حتى مع نهاية الألم، وحين كانت تلك السيدة تغسل ثيابا لها على ساحل البحر، ظهرت لها يد من تحت الماء، ونداء من السماء، لست بنائم، ثم ظهر فرعون غريقا، وٱية للناس.
هناك فجوة بين طموح تغيير حال النسوان المعذبات، ومايتوفر من أدوات في سبيل التغيير المنشود، وحين نقرأ التهاني التي يبعث بها كبار المسؤولين في عيد المرأة نتسائل، وماهو الذي قدمه هولاء المسؤولون ؟ فحين أكون في بغداد، وأنظر في المطاعم والمولات أرى النساء والشابات يرتدين الثياب الفاخرة، ويضعن الزينة، ولكن تلك الصورة لاتمثل الحقيقة، فماتحتاجه المرأة ليس فقط ماهو طبيعي من الحقوق، ولكن مايمنع عنها من تلك الحقوق التي تسلب بطرق شتى، وحتى النسوان في الريف والمناطق الشعبية يكون الفارق كبيرا بين المدافعات عن حقوق المرأة، ويتنعمن ويمارسن حياتهن بإنفتاح وفقا للتعاليم الغربية، لكنهن لايعشن ظروف نساء بلدهن كما ينبغي، ولايفهمنها جيدا.