سفارة تسمع ضراط النمل
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
![](https://habzboz-news.com/media/2025/02/1000707428.jpg)
لو سألوك عن اكبر سفارة في كوكب الأرض، فقل لهم وبلا تردد: انها السفارة الأمريكية في بغداد. فهي سفارة بمواصفات مدينة كاملة ومنفصلة ومعزولة، لكنها قائمة فوق أرض أفضل البلدان قبلة، وأعذبها دجلة، واقدمها تفصيلاً وجملة. .
ولو سألت العرب والمسلمين عن تاريخ سقوط بغداد. لقالوا لك انها سقطت عام 1258. هذا هو التاريخ الوحيد الذي يذكرونه ويرددونه، من دون ان يعلموا انها سقطت حتى الآن أكثر من عشرين مرة، لكن ذاكرتهم المعطوبة ظلت متوقفة عند ذلك العام. ولم يلتفتوا لبقية الانهيارات التي شهدتها بغداد لأنهم اشتركوا كلهم (باستثناء ليبيا والجزائر وموريتانيا) في حملات غزو العراق. فالعرب والمسلمون دأبوا منذ قرون على اختيار النصوص التاريخية التي تعجبهم، وطمس النصوص التي لا تعجبهم. .
ولكن هل تعلمون ان مساحة السفارة الأمريكية في بغداد تقدر بنحو 44 هكتار. بمعنى انها مساوية تماماً لمساحة دولة الفاتيكان، وتساوي حوالي 2.5 ضعف حجم سفارتهم في بيروت، وثلاثة أضعاف حجم سفارتهم في إسلام أباد، وتساوي ضعف مدينة بسمايا بأكثر من 22 مرة. وتتألف من 21 عمارة ومجموعة من المطاعم والمتاجر والمدارس، وقاعة سينما، ومحطة إطفاء، وأنظمة لتوليد الكهرباء وأخرى لمعالجة النفايات، كما تحتوي على نظام لإدارة مياه الصرف الصحي. لكنها تمتلك احدث وأفضل منظومات الاتصال والتجسس، وبامكانها سماع وتسجيل وتصوير المكالمات الهاتفية، وقراءة المسجات وسماع البصمات الصوتية، والتنصت على من يريدون التنصت عليه حتى لو كانت الهواتف مغلقة. ولديهم طائرات مسيرة تراقب النائمين فوق سطوح منازلهم. تحلق 24 ساعة فوق العاصمة وضواحيها. ترصد تحركات البشر والشجر . .
لقد كلف بناء السفارة العملاقة 750 مليون دولار أمريكي، بمشاركة 16000 عامل ومقاول (جميعهم من خارج العراق). وفي ساحتها اكثر من مهبط للطائرات العمودية، وفيها اجنحة تشغلها سفارات بعض البلدان الأخرى. .
أول ما يجلب انتباهك من بعيد كثافة الصحون واللاقطات والهوائيات ومجسات الاستشعار ونواظير الاستطلاع وأبراج المراقبة. .
قبل بضعة ايام تصاعدت وتيرة الاتهامات المتبادلة بين روسيا وبريطانيا على خلفية تورط بعض العاملين في سفارات البلدين بأعمال يُشك بانها تجسسية. فاذا كان هذا هو حال الدولتين العظيمتين (روسيا وبريطانيا)، ترى كيف سوف يكون حالنا نحن فقراء الارض امام هذه التقنيات التي بإستطاعتها تفحص صخور كوكب المريخ من مسافة تزيد على 55 مليون كيلومتر ؟. . .