العراق: 100 عام من الضياع والتخبط
بقلم: كمال فتاح حيدر ..

سؤال مازلنا نوجهه إلى السياسيين الذين تعاقبوا على حكم العراق منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى عشرينيات القرن الحالي: ما الذي قدمتموه للعراق ؟. وبماذا نفعتم شعبه ؟. وهل حافظتم على سيادته وثرواته ؟. وهل صنتم تاريخه وأمجاده وكرامته ومركزه الدولي ؟. وما التقدم الذي أحرزتموه على مدى 100 عام ؟. .
لقد وهبنا الله كل شيء. . منحنا كل الثروات المعدنية. دفنها تحت اقدامنا: نفط – كبريت – غاز طبيعي – فوسفات – سليكا – ذهب – يورانيوم . اعطانا من خيرات الدنيا ما تنوء بحمله الجبال. . بسط لنا الارض بسطا، وجعلها غنية بتدفقات الانهار العذبة، والأهوار الفردوسية والبحيرات الخلابة. والسهول الرسوبية التي لا مثيل لها في القارات. .
لقد وهبنا الله افضل المواقع بين البلدان. فاصبحنا جسراً تجاريا يرتبط بثلاث قارات. ثم صب علينا الموارد صباً. حتى اصبحنا أغنى بلدان الكون بلا منازع. . منابتنا قصب. أنهارنا عجب. نخيلنا رطب. كنوزنا ذهب. .
جعل الله ارضنا مهدا للحضارات الإنسانية، ومهبطا للرسالات السماوية، ومركزا للخلافة، وحاضنة للعلماء والفقهاء والمفكرين والمبدعين والأدباء. فالعراق أقوم البلدان قبلة، وأعذبها دجلة، وأقدمها تفصيلا وجملة. .
تسيد أجدادنا على العالم كله باكثر من عشر عواصم. عروش بسطت نفوذهم على بلاد الشرق والغرب منذ فجر السلالة السومرية، فكانت ( أور ) ملاذا للانوناكي، ثم ( لارسا )، و ( لكش )، و ( الوركاء )، و ( بابل )، و ( نينوى )، و ( الكوفة )، و ( البصرة )، و ( واسط )، و ( بغداد )، و ( سامراء ). كانت كلها من أروع عواصم الأرض وأكثرها شموخاً ورخاءً. .
فكيف صان السياسيون هذه الأمانة على مدى 100 عام ؟. هل نشروا علماً نافعاً ؟. هل حافظوا على وحدة الشعب ؟. هل نبذوا الطائفية ؟. هل تجنبوا الوقوع في الفتن ؟. هل نصروا مظلوماً ؟. هل رفعوا راية العدل ؟. هل حققوا المساواة ؟. هل طبقوا حكماً رشيداً واعياً ؟. .
الجواب: لا والله – ثم لا والله – ثم لا والله. نكررها ثلاث مرات وبأعلى الأصوات. .
لقد أقحمونا في حروب ومعارك ونزاعات واشتباكات استنزفت ثرواتنا، وأزهقت ارواح اهلنا. وكبلونا بمعاهدات مُذلة، واتفاقيات مخزية، وبروتوكولات مخجلة. ومنحوا تنازلاتهم السخية لمن هب ودب. صاروا مضرباً للأمثال في السفه والتبذير والإسراف. ثم حاربوا بعضهم بعضا، ونفذوا اجندات الاعداء والطامعين. منحوهم ثرواتنا لكي يحموا انفسهم من بعضهم البعض. . اسسوا حكومات ضعيفة هشة متناحرة متنافرة، تأتمر بأوامر الاعداء. . شهدنا على أيديهم متوالية عجيبة لسلسلة من الانقلابات والثورات والاغتيالات التي جلبت لنا الموت والخراب والتخلف. .
لا إسلاماً رفعوا، ولا عدلاً نشروا، ولا فقيراً أعانوا. فأخزاهم الله، لأنهم كانوا سبب ضعفنا وتقهقرنا وخساراتنا. وهذا ما نحن عليه الآن. .
ليس عدلاً ان تتوالى علينا الفواجع منذ 100 عام، ثم تلاحقنا النائبات إلى الأبد. . .