صفحة من مذكراتي .. وزير الموارد المائية الاسبق المهندس محسن الشمري
بقلم: محسن الشمري ..
6-1:في ربيع 1985وبينما كنت جالسا في محل احد زملاء الدراسة المتوسطة والاعدادية(هاجر الى المانيا في تسعينيات القرن الماضي) في شارع الرسول في النجف؛ وقفت سيارة تويوتا لاندكروس بيضاء موديل1982ونزل منها شخص متوجها الينا وطلب هويتي ومسك يدي بقوة وسحبني سيرا على الاقدام ممسكا بيدي الى نقطة مراقبة(في باب سيد يوسف بن سيد محسن الحكيم (ق)) وامرني بالجلوس على الكرويتة ووقف شخص على راسي بانتظار السيارة حتى يتم نقلي الى مديرية الامن وفي هذه الاثناء وقف شخص لا اعرفه وسال الامن عن سبب اقتيادي بهذه الطريقة فارتفعت اصواتهم وتدافعوا فيما بينهم وبعد دقائق صاح الذي اخذ هويتي وقال تعال خذ هويتك ولا اريد ان اراك هنا ثانية.
6-2:انتشر خبر اشتداد مرض سيد يوسف الحكيم(ق) في شباط 1991وكنت من بين الكثيرين الذين يحبون هذا السيد الجليل لتميزه وورعه وتقواه وعندما توفي كنت من بين المشيعين مع خالي عبد الرضا(رحمه الله)وبعد دفنه بعد صلاة الظهر والعصر،انطلقت تظاهرة كانت الشرارة الاولى لخروج النجف عن سلطة نظام صدام،حيث اتجهت التظاهرة الى مديرية شرطة النجف(الصيراي) وتم استلامها من قبل المتظاهرين وبعدها توسعت الاحتجاجات الى باقي دوائر الدولة ومقرات النظام.
حل الليل ونحن قرب ساحة الصدرين(حاليا)وذهبنا الى بيت احد اقاربنا لقربه من مكان تواجدنا ولعدم توفر واسطة نقل تنقلنا الى البيت البعيد عن مكان تواجدنا وفي الصباح الباكر جئنا الى نفس المكان فوجدنا دوائر الدولة ومقرات النظام تحت حماية قوة مجهزة بالكامل وذات زي عسكري موحد فانسحبنا الى البيت سيرا على الاقدام لمسافة 5كم.
6-3: في شهر اذار سنة 1991،وبعد اسبوعين من المعارك بكافة انواع الاسلحة وبعد انتقال المعركة الشرسة بين المحتجين وبين قوات النظام من الاحياء الشمالية للنجف الى مناطق اخرى جنوبا وشرقا وغربا،تم توجيه المواطنين بالذهاب الى مناطقنا وفي هذه الاثناء وصل مع الجموع الغفيرة هاربا من بطش النظام(معمم)الى بيتنا وعائلته بعدما حلق اللحية وباللباس العربي هو وعائلته وبقوا عندي في البيت حتى انتهاء الخطر عليهم رغم جولات التفتيش المتكررة للبيت(الله تبارك وتعالى وحده تكفل بحفظا وحفظهم) من بطش قوات النظام.
6-4:بعد منتصف ليلة(8/9)اب1992،اعلنت الاذاعة العراقية عن وفاة السيد الخوئي(ق) واذاع البيان المذيع شمعون متي وذكر بان التشييع يكون بعد صلاة الظهرمن اليوم التالي،فخرجت في الصباح الباكرللمشاركة في التشييع ووصلت الى بداية شارع الصادق(ع) قرب ساحة المصريين(سابقا) والتقيت بالمعمم الذي كان في بيتنا في اذار 1991 فعزيته وسالته متى التشييع فقال لي تم دفن السيد بعد صلاة الفجر،فصحت الله اكبر كيف يتم دفنه بهذه الطريقة دون تشييع رسمي وكتبت مرثية بحقه عنوانها(مات السيد الاوحد-نصها الكامل موجود في ملحق الذكرات)،سحبني المعمم وقال اذهب الى البيت واترك الامر لله الواحد الاحد وافترقنا في بداية الميدان ،لم اجد شئ افرغ فيه حزني سوى التدخين،فلجأت الى شريكي الذي يعمل في بيع الدخان بالجملة واشتريت منه (تكه سومر الماني سن قصير) وبدات التدخين لاول مرة في حياتي تحت استغراب شريكي وباقي الاخوة في سوق الجملة وبدات من اول يوم بتدخين علبتين الى ثلاثة علب سكائر حتى شهر ايلول2006 عندما امتنعت نهائيا عن التدخين بعدما وصلت الى قناعة بان التدخين من الكذبات الكبيرة في حياتي واعتقد في حياة باقي اخواتي واخواني من البشر.
6-4:اصدر سيد محمد الصدر(ق)بحث اثبت فيه بطلان انتهاء نسب علي بن الحسين باهل البيت(ع) والذي مقامه في ناحية المحاويل التابعة لمحافظة بابل في بداية تسعينيات القرن العشرين فذهبت الى المكتب(المتحف حاليا) قرب باب قبلة مرقد الامام علي(ع) وكان في ادارة المكتب اشخاص على عدد الاصابع واستفسرت منه وعن خلفية البحث وشرح لي التفاصيل.
6-5:في يوم26رجب1413هجرية المصادف 20كانون الثاني1993وبعد انتهاء الصلاة في مسجد الخضراء(جوار مرقد الامام علي(ع)) جلس سيد علي السيستاني(م) ووجهه للمصلين وكنت في الصف الاول خلفه في الصلاة،حصل تدافع كبير باتجاه السيد وطلب منا ابنه سيد محمد رضا بمساعدته في اخراج والده من المسجد وجعلاناهما في حلقة بشرية لا تنفك حتى ركن المرقد الشريف عند باب مسلم بن عقيل(ع) وقف سيد علي السيستاني في الركن وشكرنا وكنا مصرين على مرافقته خلال الزيارة حتى عودته الى مكتبه الحالي في شارع الرسول(ص) فرفض وقلنا له نكون بانتظارك عند باب القبلة بعد الخروج من الصحن ونبقى معك الى باب بيتك فرفضايضا وعندما ذهبت الى دوامي في منظمة الطاقة الذرية العراقية تعرضت للتحقيق من قبل مسؤول الدائرة الامنية المختصة وموقعها في بناية رئاسة المنظمة.
6-6:صيف 1996 اخترعت تصميم بمواصفات ميكانيكية خاصة
(6-Degree of Vibration) واردت ان اجري التجارب على المصلي اثناء الصلاة وهذا الامر يحتاج الى رأي شرعي فذهبت الى سيد علي السيستاني(م) بارك الفكرة وقال لي هذا هو المطلوب من الشباب المتعلمين وذهب الى شيخ بشير النجفي(م) وقال:الناس في جوع وعوز وهذه الامور ليست ضرورية الان وخلال وجودنا في مكتبه جاءه محتاج من اهالي البصرة فلم يستجب له وتركه واصرف الى غيره بالحديث.
6-7:اثناء وجودي في الاردن(1997-2003)هروبا من بطش نظام صدام وهذه الفترة كانت فترة صعود الخط البياني لحركة سيد محمد الصدر(ق) كان ياتينا بين فترة واخرى الى الاردن اكثر من معمم يدعي بانه مرسل بمهمة شرعية ومكلف من سيد محمد بشكل مباشر، بنشر افكاره والدفاع عنها،تواصلت مع السيد من خلال اشخاص ياتون الى العراق ويرجعون للاردن وطلبت منهم الاستفسار من النجف اما خطيا اوشفهيا عن هذه التكليفات وللاسف كانت كل هذه الادعاءات كاذبة وجزء من ابطال وتكذيب هذه التكليفات كان من سيد محمد الصدر(ق) وبخط يده وتحملت وعدد من الاخوة حملات هؤلاء المدعين،حيث كان هذا الادعاء باب للحصول على الهجرة من مكتب الامم المتحدة في الاردن والجزء الاخرمن المدعين للتكسب المادي بالكذب والغش والان جزء من المعممين المدعين هؤلاء اساتذة في الجامعات الاهلية في العراق ويدرسون الاجيال مواد الاصول والفقه والمنطق والاخلاق.
6-8:اثناء زيارات سيد عبد المجيد الخوئي(ر)الى الاردن خلال فترة وجودي هناك(1997-2003)كان ياتي عدد من العراقيين للقاء بسيد مجيد من عدة دول ومن العراق وكنت اقوم بواجب الضيافة لهم كون محل عملي على بعد امتارقليلة من مرقد شهداء معركة مؤته(جعفر بن ابي طالب وزيد بن حارثة وعبدالله بن رواحه رضوان الله عليهم) واحملهم بهدايا لاهلهم(وفق اعرافنا وما تربينا عليه)،حيث كانت حالتهم المادية لا تسمح لهم بشراء الهدايا وكانوا ممتنين وعبارات العرفان لا حدود لها ولا تفارق وجوههم والسنتهم ،بعد الاحتلا في 2003اصبح عدد كبير منهم وزراء ومستشارين ووكلاء وزراء ورجال اعمال(قطط سمان) وبعد الاحتلال لم يتذكر اي واحد منهم شئ من الذي قدمته لهم ومواقفي معهم بل العكس تنكروا وانقلبوا وتصرفاتهم المشينة هذه تنصب في قطع سبيل المعروف لكن هيهات ان ننساق لسلوكهم ونبقى على ما تربينا عليه ما بقيت الحياة.
6-9:بعد الاحتلال مباشرة،قدمت وعدد من الاخوة مسودة لدستور العراق بالتوازي مع المسودة التي كانت بيد المحتل والمسودة التي كان يتبناها المفرطون بالليبرالية من العراقيين،وكوني من سكنة محافظة النجف؛كلفني زملائي في الفريق بعرض النسخة على مكاتب العلماء واصحاب القرا ولم اجد عند احد ما يوازي الحدث بل كان الكل بعيد عن عن الجهود التي يقوم بها المحتل والمفرطين بالليبرالية بمسوديتهما.
شيخ محمد اليعقوبي وحده اهتم بالمسودة التي نحملها(لاسباب اتضح لاحقا بانها لا علاقة لها بالدستور وانما كوني وزملائي كفاءة تستدعي كسبها لحراك شيخ محمد اليعقوبي السياسي) واستمر الامر لفترة قصيرة وسرعان ما انسحبنا لاننا لانفكر بالانتماء لحزب او حركة سياسية وتوجهنا كان ومازال وطنيا خالصا بعيد عن الفئوية والتعصب والتشدد ونحترم الدستور والقانون ومؤسسات الدولة والاموال العامة ونعمل بكل ما نملك على بناء مشروع دولة مدنية حديثة.
6-10:اثناء تواجدي في مكتب شيخ محمد اليعقوبي وبينما كانت تتوافد المواكب على جميع مكاتب العلماء والاحزاب خلال الاشهر الاولى للاحتلال وبينما كنا نبحث فقرات الدستور ومواده،وصلت مظاهرة الى مكتب شيخ محمد وبدأت الاهازيج ترتفع شيئا فشيئا حتى وصلت ذروتها خرجنا الى الباب واذا بشيخ محمد اليعقوبي في وسط الناس وبيده سيف ويلبس الكفن ويهتف معهم والعرق يتصبب منه.
بعدها بعدة ايام وبينما كنت بانتظار اكتمال عقد فريق مناقشة مسودة دستور العراق،بادرنا شخص اسمه(ابو زينب مسؤول جمع الاموال العامة المسروقة من مؤسسات الدولة تحت عنوان مجهول المالك وفي يده كيس يضع فيه ما يستحصله من اموال بعدما ياخذ حامل الاموال جزء منها ويحصل التصالح،حيث يتم ملأ اكثر من كيس يوميا من هذه الاموال) بادرنا ابو زينب بهجوم وبدون مقدمات وقال لنا بانكم من تكونون حتى تضعون دستور بديل للقران الكريم وهذا الامر(مسودة الستور) ضد مشروع الحكومة الاسلامية.
فقلت له:الدولة المدنية؛مشروع الحكم في يثرب عندما وصل اليها النبي محمد(ص) وهذا دليل على ان الحكم المدني هو خلاصة تجارب البشرية في ادارة شؤونها العامة وسيرة النبي محمد(ص) حجة على كل البشرية وليس فقط على المعتقدين بالشريعة الاسلامية وباقي المسلمين من اتباع الشرائع السماوية الاخرى من الصابئة واليهود والمسيح.
انتفض ابوزينب(امين صندوق مجهول المالك) قائلا:انت مو تعلمتلك كم كلمة من حياتك في اوربا وامريكا جاي تنظر علينا بالعلمانية(العلمانية؛كانت اول تهمة وجهت لي في الاشهر الاولى للاحتلال).
جاوبته:لست علمانيا ولا ادعو الى العلمانية وقضيت(6)سنوات في دولة عربية اسلامية(الاردن) ولم اذهب الى اوربا ولا امريكا ولا غيرها من دول(الكفر كما تصفها يا ابو زينب)،وانسحبت من الجلسة وخرجت من المكتب وبقرار نهائي ان لا اعود ثانية بعدما شاهدت واطلعت عليه من تفاصيل في المكتب خلال تلك الفترة وكان هذا الامر في شهرايار من سنة 2003 وبقيت على موقفي رغم تكرار الدعوة باستئاف العمل.
6-11:ظهر رجل دين جديد في النجف اسمه مهدي العوادي في الاشهر الاولى للاحتلال فاقترح علينا؛احد الاخوة بزيارت العوادي والاطلاع على افكاره بشكل مباشر وذهبنا للقاءه وكان في قمة الاهتمام بزيارتنا له وعندما خرجنا قررنا غرامة(وجبة عشاء-سمك مشوي) على صاحب المقترح لاقتراحه بالزيارة واثناء تناول الغرامة اشبعناه تقريعا.