زور سو باست ده كه م كاكا
بقلم : د. هيثم عبد الرحيم المياحي …
((مقاله محاكاة مواطن عراقي كوردي وأخيه العربي))
من جبال النضال وسفوحها الخـــالــــــدة
الى اهوار الجنوب وبنادقـــها الشاهــــدة
اكتب مقالتي هذه لقلوب نقية ليست حاقدة
كي تبقى ذكرى لأجيالنا المقبلة الواعـــدة
كاكا علي بعيداً عن السياسة والساسة كيف احوالك
ماهي تطورات عملك وصحتك والجميع في عائلتك
هل تغيرت ملامح وجهك وطيبتك ورقه قلبــــــــــك
كتبت هذه الكلمات كي أتذكر الماضي واذكــــــــــرك
أتذكر حينما كنا سوية في بيتكم وقريتكم على نهر الفرات ونحن نتقاسم رغيف الخبز ونشرب الشاي فجراً. ومن حولنا الخضار والاشجار المتصافية بهدوء حفيف اوراقها.
وعندما كنا نقلب في عقولنا صفحات النضال سوية ومواجه الطغيان والدكتاتورية بكل ما اوتينا حينها من قوة بلا تفرقة ولا طائفية ولا عنصرية.
أتذكر كاكا حينما جرح اخيك وكان على مواجه خطوط الشيطان بين كوردستان والمجاهدين حينها وبين البعث والأجهزة القمعية. يومها اوصيت اخوتي في أربيل بأخذ كاكا عمر وابعاده عن المناطق الخطرة وادخلوه الى أربيل وبقي مع عائلتي على سفوح الجبال حتى تعافى وعاد يدافع عن القضية العراقية ونضالنا مع قوات البيشمركه بعيداً عن أي نزعه عنصريه وطائفية وغيرها وامتزجت بتلك الايام دمائنا واجسادنا المقطعة بقضية واحده الا وهي التخلص من الظلم والبعث. فأينما كنا كان الهدف والقضية واحده وأود الإشارة الى حكمة قالها تشي جيفارا
” لا يهمنـــــي أين ومتى ســـــأموت بقدر ما يهمني ان يبـــقى الــــوطن”
اخي حينما كنت معكم واخيك معنا هل كان ذاك العالم أسمى هل كانت الأرواح ارقى هل كانت الدنيا انقى ماذا حل بنا وكيف تمزقنا وتفرقنا. عشت معكم ستة سنوات من عمري لا أستطيع ان أنسى فيها يوم واحد بدون ان ابتسم رغم فقر الحال لكننا كنا اغنياء رغم صعوبة المعيشة لكنها كانت سهله رغم قلة التواصل الإلكتروني وما حدث الان الا اننا كنا متواصلين بنقاء القلوب وصفاء النوايا ووحدة الهدف. كما يقال في الحكمة الشائعة.
” كل شيء يمكن شراؤه الا النية الطيبة – فهي تنبع من بئر سحري داخل القلوب الطاهرة فقط.”
كانت امي تقول لي حينها ان عمر يخجل عندما نغسل ثيابه ويصلي بصوت منخفض ويأكل قليل وكانت تطلب مني ان اتحدث معه او أرسل له رسالة من قبلك كي تجعله يطمأن أكثر ويعيش وكأنه بين اهله وناسه وعائلته. وفعلاً كتبت له رسالة واوصلتها للقرية على سفح الجبل وبعدها بدء عمر بالتعايش وكأنه أحد افراد عائلتنا حتى مرت السنوات دون ان أحس انا بغربتي بينكم ودون ان يشعر عمر بأنه بعيداً عن اهله وناسه رغم اختلاف اللغة ولكن تجمعنا لغة الاخوة والمحبة والاحترام والتقدير. كنا نعيش يومنا بلا تفكير بالغد وكنا نجتمع على الصلاة سوية وعلى سفرة الطعام البسيطة ولا يفرقنا شيء.
كانت امي ترسل لنا الخبز الكوردي والعسل وبعض من خيرات الجبل من جوز وتين ورمان وكنتم انتم ترسلون التمر والدبس والسمك الجنوبي المجفف وغيرها من نعم الله حينها. كنا نرسم ادبيات التعامل وحوار النقاش وأسلوب الحياة بكل صفاء وكنا نمتلك مخافة الله ومحبة العبادة بدون الكفر بالمبادئ السامية او التعالي على العادات والتقاليد العرفية والعشائرية.
كاكا كان العيد يمر علينا عيداً وكان الحزن يقسم بيننا تجسيداً. كان الحلم واقعي والخيال واضح وكانت شعاراتنا بسيطة وذات معاني كبيرة كنا نقرأ سوية كتب قادتنا فأتذكر حينما قلت لي عليك ان تقرأ كتب السيد الشهيد محمد باقر الصدر (اقتصادنا وفلسفتنا) وغيرها وكنت اغوص في بحر علمه وعمق فكره وبالمقابل حينما تقرأ جنابك كتب عن ثورة الكورد وتاريخنا ونضالنا من مؤلفات الراحل زبير بلال إسماعيل وتطلع على مقالات الراحل ملا مصطفى البارزاني وكأنك تدخل في عمق الاحداث وتقلب الأيام وارى ملامح وجهك تتغير بين حزن يعتصر فيه قلبك وبين فرحه ترسمها حروف الكتب واجلس امامك اترجم لك بعض الكلمات الكوردية التي تستوقفك جبراً.
كاكا علي ماذا حل بنا وكيف تمزقنا ولماذا نست مخيلاتنا ماضً فيه عشنا سوية على ارض وطن دافعنا عنه وقدمنا اغلى ما نملك لأجله. هل سياسة التغيير ابعدتنا ام قلوبنا توقف نبضها هل جفت احبار اقلامنا الحرة ام كسرتها سطوة العنصرية والطائفية التي تريد تمزيقنا هل اخرست حروفنا التي كانت تنطق بالوحدة والمحبة والاخوة والنضال والوطن ام انطقتها مدخلات الخارج بما ارادته من تمزيق لوحدة الشعب وعلمت بأن اتحادنا كان قوة فلا بد من شق الصف والعمل على تقسيمنا هذا عربياً وذاك كورديا’ وهذا سنياً وذاك شيعياً ومسيحياً ومسلماً. كيف لنا ان نعيد الماضي ونعيش بهناء بعيداً عن الانشقاق والعناء كيف لنا ان نحيي ما مات فينا ونرسم مستقبلاً لأجيال ليس ذنبها الا انها عاشت التطور والسرعة والتقنية والعولمة بعيداً عن الحب والسلام والاخوة والتفاني والعطاء والإخلاص.
من يسعون وراء الحروب والدمار هم الجهلاء في بلدي فالحرب لا تقدم لنا سوى الموت والدمار. وكما قال غلاد ستون
” الحرب مأساة يستعمل فيها الانسان أفضل ما لديه ليلحق بنفسه أسوأ ما يصيبه.”
كاكا كيف لنا ان نوحد شق الصف كيف لنا ان نقول بصوت عالي اننا الماضي والحاضر وعلينا بناء المستقبل بلا كراهية بلا احقاد بلا منافسة على مناصب ومكتسبات دنيوية. ليس ضير ان يأخذ اخي استحقاقه ولا مشكله بأن اصوت له من اجل تأريخاً أسمى من كل المقاعد والمناصب والسلطات. كيف لنا ان نشكر بعضنا الأخرى على أيام عسرها كان يسراً وعنائها كان سهلاً. كاكا علي نحن من نمجد النضال نحن من يدرك ويميز المكتوب والمقال نحن نعرف الحلول بلا خصال ولا جدال نحن أبناء الوطن والأرض بصحرائها والجبال. تعال كي نجلس سوية ونقلب الماضي ونتذكر ما قدمته لي واهديته لك كي نبتعد عن المناكثات والخلافات والصدامات فالعراق بالأوجاع يحتضر وعلينا ان نعيد له الحياة. قد صبرنا كثيراً على الشقاء والعذاب والنضال ضد حكم صدام وكانت أيام وسنين عجاف وكنا نكرهها ونصبر على ما نحب اليوم كي لا ننسى ماضينا ونعيش من اجل الوطن. كما قال امير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام).
” الصبر صبران صبر على ما تكره وصبر على ما تحب”
زاد في الوطن الفقر والجوع وتفاقم الفساد على المبادئ والقيم وتغيرت منظومة الاخلاق العريقة التي تربينا عليها فلا دولة بلا شعب ولا يمكن بناء حكم على أجساد الفقراء. بلادنا تملئها الخيرات وفيها الشعب يعتاش على قوت يومه والشتات. وهنا استذكر ما قاله الراحل الباقي في قلوبنا المناضل ملا مصطفى البارزاني.
” عار علي ان اظل لا مباليا وراضيا في وقت يعاني فيه الناس الجوع من حولي ولو وهبت لي إمكانية انقاذ احد من الموت جوعا لحسبت ذلك شرفا عظيماً.”
وختاماً كاكا اود ان أقول زور سو باست ده كه م على كل ما قدمته لي في تلك السنوات الجميلة وعلى كل ما تعلمته منك من لغة عربية اصيلة وصيد السمك وحضروي المجالس الحسينية وشعائر عاشوراء وشكراً للكرم والحب والتضحية والوفاء والإخلاص. وتعال سوية نكتب قصصنا الى أجيال لم تعي وتدرك وتحس ما عانيناه سوية ما عشناه سوية ما مر علينا سوية تعال نقص ماض اجمل من الحاضر ونؤسس لمستقبل يجمع أبنائنا لا يمزقهم ويبعدهم الواحد عن الاخر. ولا تنسى الدبكة الكوردية التي رقصنا سوية بزفاف اخيك الأصغر وكنت ساهراً طوال اليل اعلمكم عليها فرحين تسر قلوبنا تواضع تصرفاتنا.
دعنا نعيش من جديد بلا غرباء يتدخلون بيننا ولا دخلاء يخططون لشق صفنا. ونجعل صوتنا واحد وهدفنا واحد وقرارنا واحد كما قال سماحة المرجع الديني السيد علي السيستاني دام ظله الوارف
” ان يكون العراق سيد نفسه يحكمه أبناءه ولا دور للغرباء في قراراته يستند الحكم فيه الى أرادة الشعب.”
تعال نعتلي جبل سفين ونأكل الخبز والتين وادعوني الى ضفاف الفرات وخضاره واسقني كأس الشاي محبة بعد مسقوف السمك الجنوبي وخبزكم المعجون بطيبة ونقاء قلوبكم. تعال نبني جسراً لتسير عليه ارواحنا ان رحلنا وننظر الى اجيالنا من بعدنا فخورين بكل ما كنا عليه من نضال وما قدمناه لهم. تعال نتركهم يعيشوا بعدنا بسلام بلا حروب ولا انقسام.
تعال نكتب حروف كوردية بمعاني عربية وحروفاً عربية بلهجة كوردية. تعال نصلي حباً اخي فوالله العمر لم يبقى فيه بقية ولم نستطيع تأجيل المنية فما نجمعه في الدنيا ليس اليك وليس اليه.
ما فعلته بنا الحياة غريب وما نساه بعض الساسة اغرب بعد ان كنا بالأمس أوفياء بعضنا للبعض تغيروا علينا في المواقف اخوتنا اليوم كما يقال بالحكمة المشهودة.
” بــــالوفاء كنــــا وكانــــــو…وبالمواقــــــف البسيـــــــــطة بـــــــــانــــــوا !!!!”
ان البعض يا اخي من اخوتنا يسعون بكل ما اوتوا من قوة وعزيمة سلبية لا تليق بهم من اجل تشويه صورتنا وتمزيق لحمتنا ونسيان ماضينا قد اغرتهم الدنيا ونسوا الاخرة قد استخدموا كل وسائل الحكم والتسلط ضد شعبهم الكوردي كي يرسموا صوره غير حقيقية عنا ويستذكرون ما ليس فيه من الواقع شيء كي يحشدوا أهلنا في الجنوب ضدنا وقد نسوا او تناسوا اخطائهم وسلبياتهم وتقصيرهم مع شعبهم الذي يعاني من فقدان الامن والاستقرار والطائفية وسوء القرار والفقر والانهيار وهنا اود الإشارة الى ما قاله الراحل علي شريعتي
” خير لك ان تقضي وقتك بالسعي لإدخال نفسك الجنة – على السعي في اثبات ان غيرك سيدخل النار.”
وهنا الإشارة الى البعض منهم وتحية احترام واجلال لكل من كان مع الوطن ووحدة الشعب من ساسة العراق باختلاف قوميا تهم واديانهم ومذاهبهم فوالله كل شيء زائل والوطن باقي وهنيئا لمن يترك بعد رحيله سمعة طيبة وذكرى جميلة لشعبه وامته. واخيراً وليس اخراً أتمنى ان تكون كلمات خفيفة على مسامعكم وهادئة على عيونكم ورقيقة على قلوبكم فوالله ما خط قلمي الا صادقاً وما كتبت هذه الحروف الا بألم وحزن على ما يجري بيننا كأبناء وطن واحد وشعب ضحى جميعه لأجل العيش بحرية وكرامة.
عساها تكون ذكرى لمن نسى نضالنا وتاريخنا سوية في ارض واحدة ووطن واحد وهدف واحد.