بقلم: عامر عبدالجبار اسماعيل ..
كنا ننتظر وصول النسخة النهائية للموازنة العامة بعد اقرارها من قبل مجلس الوزراء الى البرلمان، ليتم مناقشة مضامينها وتوزيعات النفقات العامة للدولة، على ان نقدم النصيحة لحين وصول النسخة النهائية باعتبارنا اتخذنا موقع المعارضة البنَّاءة داخل مجلس النواب ولا نبحث عن العثرات والهفوات وانما اسناد العمل الوطني والاحترافي الجاد ومكافحة الفساد وتقويم الاخطاء.
الا ان وزارة المالية اصدرت عبر مكتبها الاعلامي بيان بتاريخ 2023.01.13، حمل تناقضات ضمن متن البيان ذاته، حيث ذكر البيان ان الوزارة رصدت معلومات مغلوطة وغير صحيحة متداولة على منصات التواصل الاجتماعي (بشأن حجم النفقات والايرادات المتوقعة ضمن مسودة مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2023)
ويذكر بيان الوزارة ان تلك المعلومات لاتعدو كونها مقترحات (واردة من قبل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة وليس الشكل النهائي لمضمون قانون الموازنة).
هنا نتسأل هل مقترحات الوزارات والدوائر غير المرتبطة بوزارة عبارة عن معلومات مغلوطة ؟!!
أم وزارة المالية لاترغب بالاستماع لملاحظات ونصائح الغير لتهاجم بطريقة بعيدة عن المنطق العام ومنطق الارقام وهو من صلب عملها ؟!
أعتقد ان مجرد ذكر مبلغ الموازنة في تغريدة لأحد النواب الزملاء دون ان يعلق سلباً أو ايجاباً على حجم الموازنة اثار حفيظة الوزارة والعاملين على اعداد الموازنة مع احترامنا للمهنيين منهم كون اعداد موازنة لدولة كاملة وبظروف استثنائية كالعراق يتطلب جهداً استثنائياً.
كما قدمنا مقترحنا بتخفيض السعر التخميني لبرميل النفط والذي سيتم ادراجه ضمن الموازنة في محاولة لمساعدة واضعي الموازنة على عدم اعتماد اسعار تخمينية قد تسبب بارتفاع نسب العجز في الموازنة وكان دافعنا اختصار الوقت بدل معارضة الموازنة بعد قراءة قانونها بالبرلمان.
لكن اسلوب التعامل مع المقترحات أو مجرد الاشارة لرقم ما في الموازنة العامة قبل ارسالها للبرلمان يعتبر من الكبائر فهو مالا نتطلع اليه من وزارة يرتبط قوت الشعب ومفردات حياتهم اليومية وامنهم الغذائي والاجتماعي بتخصيصاتها، فعمل وزارة المالية يتضمن وضع السياسات المالية للدولة وأوعية الضرائب وجمع اموال الرسوم لصالح الخزينة العامة، وليس عنا ببعيد ما سميت اصطلاحاً بـ (سرقة القرن) والمتضمنة سرقة الوعاء الضريبي والامانات بمبالغ تتجاوز 2 ونصف مليار دولار بإجراءات وكتب رسمية ضمن دوائر عمل وزارة المالية.
ان الاستمرار بمنهجية تقديس العمل الحكومي رغم اخطاءه المدمرة لاقتصاد وحياة الشعوب مرفوض من قبلنا جملة وتفصيلاً ، كما ان مشكلة اسعار الصرف للعملة المحلية (الدينار العراقي) مقابل الدولار الامريكي يشكل أزمة كبيرة بحد ذاتها وبارتباط السياسة النقدية (البنك المركزي) بالسياسة المالية (وزارة المالية) بأداء السياسة الاقتصادية (الحكومة بمجملها) سيحمل تبعاته كافة افراد الشعب العراقي.
فاقتصاديات اسعار الصرف تؤثر بشكل مباشر على الدخل الحقيقي للمواطن العراقي real income، والذي يعني كمية السلع والخدمات التي يمكن للمواطن شرائها بدخله النقدي الحالي.
وكذلك يؤثر التغيير باسعار الصرف على حقوق الدائنين والتزامات المدينين حيث ستتغير قيمة القروض الممنوحة بالدينار او الدولار وكذلك قيمة الفوائد المترتبة عليها.
مع تأثير سعر الصرف على حجم الثروة والتي ستنخفض جراء انخفاض سعر الصرف للدينار العراقي.
حيث يذكر الاقتصاديون ان المجتمعات اذا اجتاحتها موجة متصاعدة ومستمرة من ارتفاع الاسعار (وهنا بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية) سيسارع الناس للتخلص مما لديهم من نقود وتحويلها الى مخزون سلعي اي شراء مواد للحفاظ على قيمة ما يمتلكون واذا سادت موجة من انخفاض الاسعار يسارعون للتخلص من ارصدتهم السلعية، وهذا ما يرفع من التأثيرات السلبية لعدم استقرار اسعار الصرف وانخفاض قيمة الدينار العراقي.
ان استمرار الفروقات الكبيرة بين سعر الصرف المعتمد للدينار العراقي من قبل البنك المركزي وسعر السوق المحلية سيكبد الدولة والمواطن معاً خسائر كبيرة يصعب تعويضها لاحقاً وستكون من اخطر انواع الاستنزاف للبلد بكافة قدراته.