المقالات

ضربني وبكى… ورماني واشتكى!

بقلم : جواد التونسي ..

يُقال هذا المثل الشعبي في المواقف التي يحاول فيها شخص أو جهة قلب الحقائق وتزوير الوقائع، متقمصًا دور الضحية بعد أن يكون هو الجاني، مستدرًا تعاطف الآخرين ليخفي ظلمه وتعدّيه. ولعل من أبلغ الأمثلة الواقعية على هذا السلوك قصة ذلك اللص في أيام النظام البائد.

في أحد أحياء مدينتنا البسيطة، كانت تعيش عائلة عرف عنها النزاهة والطيبة. وذات ليلة، تسلل لص محترف إلى منزلهم وسرق ما وجد من بعض النقود البسيطة، وحين ألقي القبض عليه، حاول التملص من جريمته باتهام صاحبة المنزل باتهامات باطلة، مدعيًا وجود علاقة مشبوهة بينهما. لتتحول الضحية إلى متهم، وتُوضع العائلة بين خيارين أحلاهما مر: إما التنازل عن حقهم، أو مواجهة الفضيحة والسجن.

هذه القصة تختصر ما تعرضت له مؤسسة المورد للإعلام والإعلان، وهي جهة إعلامية إعلانية معتمدة رسميًا من نقابة الصحفيين العراقيين ومسجلة لدى الجهات المختصة، وتخضع لنظام محاسبة ضريبية دقيق. ففي عام 2023، وبالتنسيق مع مديرية مكافحة المخدرات التابعة لوزارة الداخلية، أطلقت المؤسسة حملة توعية إعلامية ضد آفة المخدرات، عبر الإعلانات والشاشات المختلفة.

ومع نهاية العام، جرى إنهاء الحسابات وإتمام التحاسبات الضريبية حسب الأصول. غير أن المفاجأة جاءت من داخل المؤسسة، حين أقدم أحد الموظفين العاملين في قسم الإعلام على ابتزاز مدير المؤسسة، السيد نجم القصاب، مطالبًا بنسبة 50% من استحقاقات المؤسسة، وهو تصرف يخالف القوانين والأعراف المهنية والأخلاقية.

ردًا على ذلك، تقدم مدير المؤسسة بشكوى رسمية إلى المدير العام، الذي بدوره شكّل لجانًا تحقيقية. وبعد الاطلاع على الأدلة وسماع إفادات الشهود، الذين أكدوا وجود عمل فعلي، أقرّ الموظف بمديونيته لشهرين ونصف. إثر ذلك، رفعت الشكوى إلى محكمة قوى الأمن الداخلي – الرصافة، التي عقدت عدة جلسات قضائية، واطلعت على كافة الوثائق والشهادات والأدلة، مؤكدة وجود العمل المنجز.

أصدرت المحكمة قرارها بتبرئة الضابط المعني، لعدم اختصاصه بمحاسبة موظف مدني، وتمت إحالة الملف إلى هيئة النزاهة لوجود مخالفات إدارية ومالية جسيمة، موثقة بالأوراق الرسمية، بناءً على الشكوى الأصلية المقدمة من السيد القصاب.

وبدلًا من الاعتراف بالخطأ، لجأ الموظف المتهم إلى أسلوب المراوغة، حيث تقدم بشكوى مضادة إلى هيئة النزاهة – الرصافة، زاعمًا أن السيد نجم القصاب شخص وهمي ولا يملك مؤسسة إعلامية، منكرًا كل ما سبق من خدمات وأعمال مثبتة بالأدلة. وقد جاءت هذه الشكوى في محاولة مكشوفة للضغط على المؤسسة والمدير للتنازل عن حقوقهم.

لكن القضاء العادل لا تحركه الشائعات، بل الأدلة والحقائق. وبالرغم من الضغوطات، كانت المحكمة جريئة في قول كلمة الحق، مدعومة بشهادات واضحة وأوراق رسمية، ليُكشف زيف الشكوى المقابلة، وتُحال القضية إلى المسار الصحيح.

وفي هذا المشهد المليء بالتناقضات، لم يجد المتهم من وسيلة للنجاة سوى الاحتماء بالكذب والتلويح بالباطل، ظنًا منه أن الحقيقة تُطمس بالصوت العالي. غير أن العدالة وقفت له بالمرصاد، لتُسدل الستار على محاولة بائسة لتزييف الواقع، ويصدق المثل العراقي:
“ضربني وبكى… ورماني واشتكى!”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى