فرانكشتاين في تونس
بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
ظهر هذا الكائن المسخ لأول مرة في رواية إنجليزية لماري شيلي بعنوان: (فرنكشتاين)، بطلها طالب يدعى (فيكتور فرانكشتاين) يعتكف في مختبره، فينجح في صناعة كائن عملاق، مصمم للانتقام من الطغاة، والتخلص من الاشرار الذين استغلوا العلم لتحقيق مآربهم في افتعال الحروب واضطهاد الشعوب، لكن هذا الكائن المسخ تمرد على مخترعه (فيكتور)، وتحول إلى وحش كاسر مهووس بالقتل وسفك دماء الأبرياء، حتى ينتهي به المطاف إلى قتل فيكتور نفسه، بعد أن أجهز على أسرته. .
انتشرت الرواية وذاع صيتها، ثم توالت الأعمال الادبية التي منحت فرنكشتاين إضافات سياسية تعكس حجم الخراب والدمار الذي عصف بمدن العالم، فظهرت رواية أحمد سعداوي عام 2005، بعنوان : (فرانكشتاين في بغداد) لتنطلق من واقع مؤلم ووقائع دامية يعيش مآسيها المواطن العراقي، حيث التفجيرات والعبوات الناسفة، والجثث المتناثرة في الساحات والشوارع، فيتسلل (هادي العتاك) خلسة ليلتقط عضواً بشرياً من كل ضحية، ثم يجمع الاعضاء المتقطعة ليبني منها كائناً قوياً يسعى للانتقام من الإرهابيين الذين تسببوا في تلك المجازر. كائن يمثل وحدة الشهداء والمغدورين. .
ثم جاء التونسي كمال الرياحي عام 2023 ليطلق كتابه (فرنكشتاين في تونس) فيرسم على صفحاته صورة واقعية بشعة للرئيس قيس سعيّد، وينهال عليه بالتهكم والسخرية، ثم يتهمه بالتفرد بالسلطة، ومصادرة حقوق الشعب، والاستهتار بالحكم. .
كتب الرياحي على غلاف كتابه: (قبل أن يشقى فكتور فرانكنشتاين، في رواية ماري شيلي، وراء وحشه، كان يعيش قلقاً وحزناً بسبب موت أمه، فانهمك في العمل على أبحاثه ليصنع الوحش)، وأضاف: (أن مشاعر اليتم الخلاقة هذه هي نفسها التي كان يتخبط فيها الشعب التونسي قبيل انتخاب الرئيس قيس سعيّد، فقد فشل هذا الشعب في العثور على حل لمحنته التاريخية بعد إسقاط دكتاتور كان يعتقد أنه المعرقل الوحيد أمام إدراكه السعادة). .
فسارع (سعيّد) إلى غلق جناح الدار التي نشرت الكتاب في معرض تونس الدولي للكتاب، وصادر المطبوعات كلها، وجاءت خطواته بُعيد تأكيداته على أهميّة تحرير الفكر، وظهر في مقاطع متلفزة يقول فيها: (المهم هو تحرير الفكر لأنه لا يمكن أن نحقق أي شيئ في ظل فكر جامد) لكنه لم يكن صادقاً البتة. .
حول هذه التناقضات، يقول الرياحي: لا توجد أمام الشعب التونسي أي فرصة للتحرر سوى صناعة وحش من خيباتهم، شخص لا يعدهم بشيء لأنهم ملّوا الوعود الكاذبة، لم يكن أمامهم إلا صوت ذلك الأستاذ السوريالي الذي لا يضحك أبداً لكي ينتقموا من الكل، من النظام الذي ظل مستمراً رغم تغير الوجوه والقادة، ومن المنافقين الذين ظلوا يصفقون لكل دكتاتور مستبد. . .