العبودية الادارية تبعث من جديد .. تأملات في الجذور البعثية لبعض السلوكيات الادارية .. كيف نظر الامام علي للادارة وماهو مفهومه لها ؟؟؟
بقلم : عبدالحسين عبدالرزاق …
لعل الاكثرية من الكتاب وخاصة في البلاد العربية التي مازالت المعقل الاكبر للاستعباد
وكل الممارسات والسلوكيات المنحرفة ومظاهر القمع والظلم في العالم يعتقدون بانه لا وجود للعبودية او انها كانت وقد انقرضت
ولهذا السبب لم يبدوا اي اهتمام بما يعانيه الناس من عبودية مباشرة او عبودية غير مباشرة تتجلى في مظاهر عديدة ومنها اضطهاد الموظفين وقمع الصحفيين وحرمانهم من الوصول الى مكامن المعلومات السرية
واذا تركنا من وراء العبودية المباشرة اشكالها وانواعها الكثيرة فأن للعبودية غير المباشرة اشكال اكثر واعداد اكبر ولكن اكثرية الناس لا يعرفون
ولعل اخطر انواع هذه العبودية هي العبودية الادارية
نعم العبودية الادارية هي اخطر واقبح هذه الاشكال والتي تمارس اليوم في دوائر الدولة وشركاتها من غير حسيب ولا رقيب
وفي هذا المقال سنوضح هذا لاحقا بغية القضاء على هذه القضية اللا حضارية الجديدة والتي تجعل من الوزير او المدير العام او المحافظ سيدا والعاملين معه او الذين يرأسهم او يمارس سلطته واستبداده وظلمه عليهم عبيدا
في مطلع القرن العشرين ظهرت نظرية اطلق عليها نظرية الإدارة العلمية وتعنى بآلية تطوير وتحسين حياة العمال وقياس مستوى إنتاجيتهم
وكانت وحسب ما يرى بعض الكتاب من اولى النظريات التي حاولت تأصيل الفكر الديمقراطي في مجال ادارة الاعمال ولكنها لم تكن كذلك فالنتائج التي تمخضت عنها عند التطبيق لم تلبي الحاجة في ولادة ادارات ديمقراطية وكما كان مرجوا منها عند اغلب العمال
وبسبب استمرار السلوكيات الادارية القديمة فقد ساد الاعتقاد بين العمال حينها بأن الإدارة العلمية ما هي إلا نوع جديد من العبودية.
وقد برر أصحاب هذا الاتجاه رؤيتهم بأن النظام الجديد يستند إلى المراقبة الكثيفة من قبل المدراء تجاه الموظفين طيلة الوقت، حتى أنهم كانوا يحاسبونهم على دقائق الراحة التي يحصلون عليها أثناء اليوم، كما أوجد مناخا من الشك بين الزملاء داخل بيئة العمل، فأصبح كل موظف يشك في الآخر ظنا منه بأنه جاسوس يراقبه خفية ليتصيد له الأخطاء. ومنها التضييق عليه حتى في ابداء رأيه في الممارسات والسلوكيات والتصرفات الادارية اللا اخلاقية حيث كان بعض المدراء يمنعون العاملين من انتقادهم او التعبير عن وجهات نظرهم فيهم او في روءسائهم وكما يحدث عندنا اليوم حيث يرى بعض المدراء ان انتقاد الموظف للوزير او الوزارة عامة جريمة لا تغتفر وتستوجب اتخاذ اشد العقوبات بحق كل من يذكر الوزير بسوء
ان هذه الظاهرة التي اصبحت شائعة اليوم في اغلب الدوائر والشركات هي بقية من بقايا الفكر الصدامي المجرم حيث كان المواطن العراقي لايمكنه التعبير عن رأيه في رئيس النظام البائد او في احد اعضاء مجلس قيادة الثورة او الوزراء وان من يفعل ذلك فأن مصيره الاعدام او السجن المؤبد وفصله من الوظيفة اذا كان موظفا
وكان من الواجب اجتثاث هذه الافكار قبل اجتثاث الاشخاص المرتبطين بحزب البعث فلا جدوى من اجتثاث الرؤوس في الوقت الذي تبقى افكارها مصادر المظلومية التي يتعرض لها المواطنون بصورة عامة والموظفون منهم بصورة خاصة
ان حرية التعبير حرية مطلقة لاحدود لها وقد اكد الدستور العراقي في المادة ٣٨منه على وجوب احترامها وعدم المساس بها وهي من الحريات الاساسية في بناء الدولة الديمقراطية كما ان المادة ٤٦من الدستور ايضا قد نصت على عدم جواز تعطيل او تقييد اي من الحقوق او الحريات الوارد ذكرها في الدستور الا ان بعض المسؤولين الاداريين مازالوا يخرقون الدستور بكل وقاحة وذلك تعبيرا عن تشبعهم بفكر البعث الدكتاتوري وخشية افتضاح ما يخفون من تصرفات مخالفة للقانون من فساد اداري ومالي فهم يحاسبون وبشدة على كل رأي يخالف ما يعتقدون به من آراء وهي ما نسميها بالعبودية الادارية وهي من الظواهر السلبية والمدانة التي كانت نتاجا من نتاجات العبودية منذ اقدم العصور وتعيد الى الاذهان ما كان يحدث في المانيا من قمع للصحفيين على عهد بسمارك وما كان يحدث ايام الدولة العثمانية على عهد السلطان عبدالحميد الثاني
وقد تنبه بعض المفكرين الى ذلك وحذروا منه على ان للامام علي عليه السلام كان شرف وضع اللبنات الاولى للفكر الاداري المنتج للديمقراطية التي يتمشدق بها الغرب اليوم ويدعي انه مهدها
وقبل ان نأتي على ذكر ما كان الامام علي قد وضعه من اسس للفكر الاداري الديمقراطي ارى من الواجب المرور بالمخاضات التي مرت بها ولادة التطورات التي حصلت لها في بداية القرن العشرين
ففي عام 1911 تشكلت لجنة من أعضاء الكونجرس الأمريكي لمناقشة كيفية تأثير الممارسات الحديثة في عالم التجارة والأعمال على حياة العمال أنفسهم، وأهم ما ركزت عليه اللجنة خلال عملها هو مفهوم “نظرية الإدارة العلمية” والمعنية بآلية تطوير وتحسين حياة العمال حيث كانت الأصوات قد تعالت مطالبة بمناهضة هذه الفكرة التي تبدو ملهمة ظاهريا حيث كان الاتجاه السائد بين العمال حينها بأن الإدارة العلمية ما هي إلا نوع جديد من العبودية.
وفي ختام جلسات الاستماع، وبرغم من أن اللجنة لم تتوصل إلى قرارات حاسمة بشأن النظام الجديد، إلا أنها وافقت في المجمل على أنه يعد بمثابة السوط الذي كان يستخدمه السائق في الماضي ضد الزنجي المستعبد مما كان يجعله في حالة مستمرة من الهياج.
وهناك من يشبهون ساعة الإيقاف في يد المدير والتي تعتبر من أدوات متابعة وتقييم عمل الموظفين بالسوط الذي كان يستخدمه السادة مع المستعبدين، بل أحيانا كان يتم استخدام كلا الأداتين جنبا إلى جنب في بعض المزارع في الماضي،
وقد يبدو هذا التشبيه مقلقا وبخاصة أن مؤيدي نظام الإدارة العلمية أحيانا ما يستخدمون بعض المفردات المرتبطة بالعبودية ليس في إشارتهم وتعبيرهم عن النظام الجديد فحسب بل للثناء عليه أيضا.
وبرغم زعم البعض من أنصار الإدارة العلمية بأن هذا النظام قائم في الأساس على الديمقراطية والتعاون، إلا أن مفهوم الديمقراطية لديهم كان والى حد ما يشبه ما عند بعض المسؤولين الاداريين عندنا حيث لا يتجاوز حدود تفويض الناس له بتولي المنصب في انتخابات عادة ما توصف بأنها مزورة
وفي ايامنا هذه فأن المسؤولين الاداريين دائما ما يحصرون مسار العلاقة بين الموظف ورئيسه في العمل في جانب واحد فقط وهو إصدار الأوامر ووجوب تنفيذها، وهو الركيزة الأساسية لمفهوم العبودية، فالعلاقة بين العبد ومالكه في الماضي كانت تقتصر على ذلك أيضا.
ويمكن الربط بين كل من مفهومي العبودية والإدارة الحديثة من خلال “أداء المهام” والتي يعتبرها تايلور من أهم الجوانب الأساسية في نظام الإدارة العلمية،
ونعود الى مبادئ الفكر الاداري للامام علي عليه السلام فأقول
ان اهم ما يتميز به
الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام) هو تماسكه واستناده إلى قواعد منطقية رصينة، فجاء هذا الفكر متميزاً بخصائص قد لا تخطر ببال أيُّ مفكر إداري غربي. فهو فكرٌ إنساني؛ لأنَّه ينظر إلى الإدارة بنظرة إنسانية، فالذي يتحرّك في أُفق الادارة هو الإنسان وليس الآلة، كما أنّ نظرة الإمام (عليه السلام) إلى المؤسسة الإدارية على أنّها مجتمعِ مصغّر تتضامن فيه جميع المقومات الاجتماعية، وتوصف نظرته إلى الادارة على أنها جهاز منظم وليس خليطاً مِن الفوضى، لهذا الجهاز هدف سامٍ، فالتنظيم لم يوجد عبثاً، بل مِن أجل تحقيق أهداف كبيرة في الحياة، هي إذاً- الإدارة- كيانٌ اجتماعي حي يعيش في وسط المجتمع يسعى مِن أجل أهداف كبيرة في الحياة. قد لخصها الإمام في مواقف معينة، – ومن أهم تلك الأهداف مبدأ الاعتقاد والعبودية لله سبحانه وتعالى. وحده
ويتساء احد الكتاب قائلا :-
ما هي مدخلية العبودية لله في موضوع الإدارة؟
وجوابا على ذلك نقول
ان الإمام (عليه السلام) كان يسعى الى نسليط الضوء على سلوكيات المدراء وانطباعاتهم وتصوراتهم وهم في موقع المسؤولية، فهناك انطباعات وسلوكيات تدفع الانسان نحو التسلط وحب الدنيا وحب الجاه. إذاً ماذا تكون خلفية من يحمل هذه السلوكيات والانطباعات فيمن يكون في موقع السلطة؟
لا شك إنّه حينما يصل إلى موقع المسؤولية سيتخذ مجموعة من الإجراءات القاسية والقرارات الظالمة ويسير نحو الانحراف في تضييع الأهداف وخدمة الناس، ويعتقد بأن من يعمل تحت أمرته هو عبد له، وليس تعامل رئيس مع مرؤوسين يستحقون الاهتمام والرعاية كما هو في فكر الإمام (عليه السلام) بينما هناك من ينظر إلى موقع المسؤولية على أنها محطة لهداية الناس وخدمتهم ومحطة يؤتمن فيها على مصالح الناس يضمن عن طريقها حقوق الاخرين.
فالجانب السلوكي والمعتقد له أثر كبير في مسار أداء المدراء على الاصعدة كافة، إذ يمكن أن يلعب المدير دورا بارزا وسلوكا مغايرا لمعتقداته، لكن على المستوى البعيد لا يستطيع المدير أن يخفي تأثير معتقداته.
ولذلك يقدم الامام (عليه السلام) مفتاحا سحريا من مفاتيح النجاح والتفوق في الإدارة